القناعة بالرأي والعزوف عن المصلحين
يتعرض المصلحون لمعارضة شديدة من قبل مجتمعاتهم، بسبب القناعات المخالفة لما ألفه الناس من ممارسات وطقوس معينة. يقول: أستاذ الأدب الحديث عبد الوهاب حمودة «قل أن تجد مصلحاً أو مرشداً، أو تصادف مجاهداً في ميدان الفكر الحر والدعوة الصالحة، إلا لقيته قد ذاق من الاضطهاد ألوانا، وأصاب من العنت والشقاء ضروباً من تهكم واستهزاء.
كل مصلح يحترم المبادئ التي هو مقتنع بها، لابد له أن يتحمل ويدفع الضريبة، وقد تختلف التبعات من عصر إلى آخر، فالمعارضون للأفكار الإصلاحية، يستخدمون أدق الوسائل التي تعرقل الإصلاح، وخصوصا إذا كان ذا طابع ديني. فهم يعتبرون انفسهم حماة العقيدة الوحيدين فيتهمون المصلح في دينه والتشكيك فيه بالمروق عنه.وهناك نماذج كثيرة مرت خلال التاريخ، أمام الواعين الذين انبروا للإصلاح وسط مجتمعهم، بداية من الأنبياء، ومرورا بالأولياء الصالحين، والعلماء العاملين، «وحين يتمرد باحث على تلك الأجواء الضاغطة، تتخذ بحقه إجراءات قاسية، تبدأ من التشكيك في الكفاءات العلمية، إلى الاتهام في الدين ،وصولا إلى إسقاط الشخصية والعزل الاجتماعي».
ففي واقع الأمر هناك أمور تقف حاجزا منيعا أمام أي مصلح ومن ابرزها: القناعة بالرأي, والعزوف عن المصلح: ثمة أناس لا يقتنعون برأي المصلح، وهؤلاء إما يتصدون لمحاربة المصلح، بشتى الوسائل لإيقافه، وإما يعتزلون المصلح وينتظرون النتائج. فكلا الطرفين بالنسبة إلى المصلح أمر متوقع. وهناك من هو مقتنع بما يطرح من قبل المصلح، لكنه لا يصمد أمام التيار المعارض، فيهجر المصلح ويخفي صوته ولا يجهر به، وقد يجهر به بخجل أحيانا، وحتى لو كان على وفاق معه في الرأي. وهنا يبدأ الإحساس بالوحدة، وخذلان الناصر والصديق عند من رهن نفسه للإصلاح. ومن الأمثلة على ذلك «حين أراد الشهيد السيد محمد باقر الصدر أن يبدأ بحثه العلمي في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف، وأن يتناول (فقه العقود) كبحث مقارن بين الشريعة والقانون، جرى الضغط عليه للعدول عن فكرته، وأن يبدأ بحثه وفق النهج المألوف من كتاب الطهارة في الفقه، لأنه بغير التقيد بالمنهج السائد لن يعترف له بمكانته العلمية».
لاشك بان هناك من هو قريب إلى العامل المصلح، سواء من الأهل والأصدقاء، وهنا فإن أسهل طريقة أمام المعرقل إلى المصلح هو الترهيب وتجميد عقل من هو قريب وتحريك عواطفه، ففي العادة أي مصلح يخاطب ويثير العقول وفي مقابل ذلك العاطفة تكون أقوى من العقل. ولعل هناك تساؤل: ما هي نتيجة الإصلاح أمام تيار معارض؟ ومتى تبرز نتائج المصلحين؟
إن من أعظم النتائج التي يحصل عليها المصلح، المجد والتاريخ النضالي، أمام التيارات المعارضة، وقد لا تبرز الإصلاحات التي ينادي بها المصلح في حياته، لكنها بعد مماته تنشط وتقوى، وهنا يكون له شرف الريادة في عملية الإصلاح وعظمة التاريخ. وعلى مدى الزمن هناك من يقتنع بالآراء المطروحة من المصلحين الماضين أو الحاضرين، فطوال التاريخ يبقى المصلح دائما سابقا لعصره.