الوطن فوق الجميع
في ظل أجواء التضامن والتعاطف ما بعد كارثة جدة والتي جعلت من المجتمع المدني المتواجد في الساحة يمد يد العون والمساعدة لمنكوبي أحداث الأربعاء الحزين، والتي جعلت من أهل القطيف على الساحل الشرقي يؤدون واجبهم تجاه إخوتهم في الساحل الغربي من خلال جمع التبرعات العينية بواسطة الجمعيات الخيرية في مدن القطيف وكذلك إقامة معرض فني «بين ساحلين» يخصص ريعه لمنكوبي جدة، وقبلها الزيارة التي قام بها بعض ممثلي المجتمع المدني والخيري إلى جبهتنا في جنوب البلاد وإبداء الاستعداد التام من قبل ممثلي كل الفعاليات في القطيف للمساهمة بكل شيء من أجل صد محاولات المتسللين والإدانة الواضحة التي أطلقها الشيخ حسن الصفار لأي اعتداء على أي شبر من وطننا وكذلك فعل غيره من الفعاليات والرموز الفكرية والثقافية والتي هي جميعا تثبت حقيقة الانتماء الوطني لشيعة بلادنا إلى هذا الوطن التي لا يشك فيها إلا من في قلبه مرض.
أقول في ظل هذه الأجواء التي تعبق بالوطنية، خرج علينا شريط لأحد شيوخ البرامج التلفزيونية في خطبة له في أحد المساجد مصورة على «اليوتيوب» لئلا يقتصر آثارها على من في المسجد بل تعميم نظرته للمجتمع، الشيخ التلفزيوني هذا يتحدث عن المتسللين إلى بلادنا وهو الأمر الذي أدانه الجميع ليستخدم هذا الموضوع النبيل بشكل ملتو ليشن هجوما مهووسا على المذهب الشيعي، كما يشن هجوما على السيد علي السيستاني متهما إياه بالزندقة والفجور ولينتشر هذا الشريط في بعض الأوساط الشيعية في بلادنا التي استاءت من هكذا فعل أقل ما يقال عنه إنه طائفي بامتياز.
وسأقول للشيخ إياه بعض الحقائق التي لا أعتقد أنه يعرفها حق المعرفة وهي أن أبناء القطيف والأحساء من الشيعة هم مواطنون في هذا البلد بل أقول له إن مدينة القطيف وما حولها اختارت بملء إرادتها أن تكون جزءا من هذا الوطن ورفضت عرضا بريطانيا بوضعها تحت الحماية واختارت الإسلام واختارت الوطن بشكل طوعي واعتبروا انتماءهم لدولة مسلمة مسألة رئيسية ورفضوا الاحتلال الأجنبي والحماية الإنكليزية التي كانت سائدة في كل دول الخليج أثناءها، ولو كانوا طائفيين ويفكرون بذات طريقة الشيخ لما كان لهم هذا الخيار.
هؤلاء في القطيف وفي الأحساء هم شيعة من قبل ومن بعد وانتماؤهم لمذهبهم لم يمنعهم البتة من اتخاذ كل المواقف الوطنية التي تدافع عن أراضي الوطن فهم أدانوا غزو صدام حسين للكويت ولجزء من أرض بلادنا بما فيها معارضتهم، ولست هنا بصدد تعداد المواقف الوطنية التي لا حصر لها لأبناء تلك المنطقة، فالمبدأ في الأساس يفرض التعامل مع كل أبناء الوطن على أساس من المساواة في المواطنة بغض النظر عن الانتماء المذهبي والطائفي، وبلادنا فيها هذا التعدد الذي يرسم لوحة فسيفساء جميلة تخلق الحوار البناء والتنوع الطبيعي.
أما بخصوص الهجوم على السيستاني وهو أحد الأئمة المحترمين والمقلدين فقهيا في كل الأوساط الشيعية واتهامه «بالزندقة والفجور» فذاك يعتبر اعتداء غير مسبوق على رمز من رموز الشيعة الممثلين لحالة التسامح والاعتدال، وبالتالي فإن هذا السب والقذف يعد اعتداء على كل الشيعة وتهجما على معتقداتهم ولا أظن أن مثل هذا الشيخ يستطيع أن يستوعب أن يسب أحد مذهبه وليس رموزه الدينية، إلا إن كان يرى في نفسه «ممثلا» وحيدا لإرادة الله، وذاك بالطبع ديدن المتطرفين والإقصائيين، الشيخ السيستاني هذا وللمعلومية يقلده الشيخ حسن الصفار وبالطبع الآلاف من الشيعة، وذاك لم يمنع الشيخ الصفار من إدانه المتسللين والدفاع عن أرض بلادنا.
وقبل ذلك، نقول إن السيستاني رشحه جمال خاشقجي رئيس تحرير «الوطن» في مقال في صحيفة الغد الأردنية بعد أن رشحه الكاتب الأمريكي توماس فريدمان لجائزة نوبل قائلا «أما مسوغاتي فهي غير تلك التي لدى فريدمان وغيره، وأعتقد أنها أدعى وأهم، وهي سعيه الحثيث لمنع وقوع حرب أهلية بين الشيعة والسنة في العراق، بإلحاحه على أتباعه من العراقيين الشيعة باللجوء إلى الحكمة، وذلك طبعا لمواقف هذا الرجل التي دعت إلى سحب البساط من القوى المتطرفة من خلال إصراره على وحدة المسلمين وعدم الانجرار إلى ما تسعى له القوى المتطرفة في الجهتين، وإن كانت الحجة أن المتسللين طرحوا اسمه فذاك ليس ذنبه، وعليك أن تبحث عن الأهداف السياسية، وراء هذا الطرح بدل الشتم والقذف في بيوت الله.
وأقول للنجم التلفزيوني الشيخ إياه، إن كنت تعتقد أنك بموقفك هذا ستحظى بحظوة لدى دولتنا الرشيدة فإنك مخطئ جدا؛ لأن ما تفعله يخالف تماما توجهات خادم الحرمين الشريفين الذي أسس للحوار الوطني والذي كان أول مؤتمراته جمع الشيخ حسن الصفار مع الشيخ عائض القرني، والذي دعا إلى مؤتمر مكة الذي اعترف بالمذهب الشيعي كأحد المذاهب الإسلامية، والذي دعا إلى حوار الأديان، والذي يدعو دائما إلى التسامح والاعتدال وتكريس الوحدة الوطنية، والدعوة إلى إسلام صحيح مبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها من خلال الحوار البناء.
إن استخدام مواضيع حق ليراد بها باطل والمزايدات السقيمة التي تفتت الوحدة الوطنية هي ما يجب التصدي له.