الشيخ حسن الصفار.. والآخر!!
بعد اطلاعي على الاصدارلسماحة الشيخ حسن الصفار(الانفتاح بين المصالح والهواجس) وهو عبارة عن ندوة أقامها منتدى العوامية وقرأته في ليلته ورأيت فيه من الحكمة والعقلانية، وكأنما يقول سماحته بلسان الحال وليس بلسان المقال:
أنا والأخر تلك هي معادلة الحياة الاجتماعية الصحية والصحيحة، إنها ثنائية: إذا اختل تكافؤ وتوافق وتلازم قطبيها.. اعتل إنجازها وافتقر إنتاجها، وضعف مردودها، وتقاعست صيرورتها، وفي تعادلها تزدهر وتزداد حيوية وشبابا، أنا مرآتك، وأنت مرآتي، ولا يتعرف أحدنا على ذاته إلا بالآخر لا معنى لوجود أحدنا من دون الآخر.
لنختلف ونتفق، لنتنافس ونتعادى ونتصادق ونتحاور: لنتجاذب ونتنابذ، لنفعل أي شيء.. شرط أن نبقى معا، أن يحافظ كل منا على الآخر، لأن حفظ الذات هو من حفظ الآخر، ولنعلم أن الآخر هو الأنس، كما يقول المثل "الجنة من غير ناس مابتنداس" أو كما يغني أبو العلاء المعري.. ويطلق فكرته وحكمته شعرا.. فيقول:
ولو أني حبيت الخلـد فـرد ولا هطلت علي ولا بأرضي |
الما أحببت في الخلد سحائب ليس تنتظـم البـلادا | انفرادا
إنه يريد الخير لغيره ومع ذلك الغير، مثلما يريده لنفسه. أبو العلاء المعري نموذج الشخصية السوية الحكيمة، التي تؤمن بالخير وتعتبره مقوما رئيسيا من مقومات الذات الفردية، وتؤمن بأن سعادة واستقرار وأمن الذات الفردية مرتبطة بسعادة واستقرار وأمن الغير ارتباطا حيويا متينا.
يقول الإمام علي بن أبى طالب (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) تلك شريعة أخلاقية سامية، وواجب يفترض بنا اتخاذه بوصلة لسلوكنا وتعاملنا مع بعضنا.
والتزامنا بتلك الشرعة يقوي عرى الوحدة والتلاحم والانسجام والتكافل الاجتماعي: ولا يكفي أن نحب الآخر، بل أن نؤمن بضرورة وجوده معنا وإلى جانبنا، فنعيش ونعمل سوية نزرع، ونحصد معا، نضع يدنا في يده: نشق طريقنا المشتركة بثقة متبادلة وراسخة.
وإذا اختلفنا فعلينا أن نتعلم كيف نختلف من غير خسارة، وكنف نؤطر اختلافنا ليثري حياتنا، ولنجعل الاختلاف خصبا وربحا، لاسببا للتنافي والخراب والدمار، وفي الحياة متسع للمتناقضات، وإمكانية لتعايشها وتفاعلها والخروج بها إلى كل ما هو مشترك ومتفق ومجمع عليه، ليقل الآخر ما يريد، ولنتعلم كيف نصغي لكلامه ونسمعه جيدا، ومن ثم نرد عليه.. نجيبه.. نأخذ منه ونعطيه، نؤمن له الهامش الذي يستحقه، بذلك تتسارع وتيرة البناء والتطور والتقدم، وتترسخ عادات الحوار البناء لغة لابد منها لتأمين أكبر وأوسع مشاركة ممكنة لكل فرد في المجتمع.
ولنتخذ من فلسفة ديننا وحكمته منهاجا ونبراسا لتقوية وتعميق ديمقراطية الحوار والفكر والممارسة، بنية طيبة، وقدرة على تقبل الآخر بماله وما عليه من دون المساس بالصالح العام الذي يعتبر القاسم المشترك للجميع..
قـالــت ســكــت ومــــا ســكــت | ســــدىما قيمة الصوت إن لم يكن له ثم صدى |
وفق الله شيخنا الفاضل حسن الصفار إلى كل خير..