هذا ما جرى في مجلس الشيخ ابن باز
نقل إلي الشيخ حسن الصفار، أحد أبرز علماء القطيف، صورة إيجابية عن أجواء اللقاء الفكري المنعقد في مكتبة الملك عبدالعزيز، الذي تنتهي أعماله اليوم..
كان سعيداً على وجه الخصوص، بحفاوة الشيخ سلمان العودة، وطلبه اجتماعاً مطولاً للتعارف، وتبادل وجهات النظر، ولم يكتف الشيخ العودة بهذا، وإنما خطا بسماحة غير معهودة، نحو تكسير أوهام الصمت، وحواجز العزلة، داعياً الشيخ الصفار لمرافقته في سيارته الخاصة لحضور اللقاء، جذلين بروح التآخي وفضيلة التسامح..
وداعب الشيخ الشيعي زميله الشيخ السني قائلاً: يا ترى لو التقطت لنا صورة، ووزعت عبر موقع الإسلام اليوم.. واطلع عليها شباب المذهبين من المغالين والمتعصبين، ألن تُحدث هذه الصورة أثرها الحميد، في تنفيس الاحتقان النفسي، المزمن بتركة من التصورات المقلوبة، والأحكام الجاهزة الجائرة المغلوطة؟.
لم تقف إيجابية اللقاء عند هذا الحد التعارفي الودي.. بل تجاوزته الى حيوية في الخطاب، حين تم الاعتراف بإسلامية الأطراف المدعوة الى مائدة الحوار.
هذا الموقف ذكّرني بتلك اللحظة التاريخية، عندما تمنيت على الصديق العزيز سمو الأمير سطام بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الرياض، أن يسعى لدى سماحة المفتي الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، بقبوله استقبال وفد من علماء القطيف وأعيانه، في محاولة لكسر الحاجز النفسي، ومحاصرة الفتاوى التكفيرية، المهيّجة للمشاعر ضد الطرف الآخر!
كانت مفاجأتي عظيمة، والأمير سطام يزف اليّ البشرى.. فقد وافق الشيخ الجليل على الزيارة.. ورحت أنصح الوفد بعدم إثارة أي موضوع خلافي، لكي تحقق الزيارة مبتغاها الإنساني في كسر الحاجز..
إلا أن الشيخ يرحمه الله تطارح والزائرين موضوع توحيد الربوبية، وتنزيهها عن الشركيات.. مما جعل الشيخ حسن الصفار يبين له حقيقتها عند الإمامية، وهي أصل الأصول في فقههم وعباداتهم، وذكر له أن علماء كباراً من شيعة القطيف، قد ألفوا في هذا الموضوع وأشبعوه درساً وبحثاً.. فهذا المجتهد الكبير،الشيخ علي الخنيزي يساجل عبدالله القصيمي،قبل سبعين عاماً، حول "الصراع بين الوثنية والإسلامية" بكتابه الرائد "الوحدة الإسلامية".. في حين انبرى الشيخ محمد صالح المبارك ينافح بقوة عن توحيد الربوبية، داعياً إلى وحدة صف المسلمين ونبذ خلافاتهم المذهبية، في كتابه العلمي "الدعوة الى كلمة التوحيد".
في نهاية اللقاء وقد انكسر الحاجز، لم يتمالك الشيخ ابن باز نفسه، فراح يوجّه لوماً أبوياً لزواره ومواطنيه قائلاً: لماذا سكتم طوال كل هذا الوقت، وجعلتم الآخرين يبنون فرضيات الحكم بإقصائكم عبر ألسنة العوام.. أما كان الأجدر أن يتم اجتماعنا قبل هذا اليوم؟!.