سماحة الشيخ حسن الصفار بمسجد الإمام الجواد (ع)
شرفنا وشاركنا سماحة الشيخ حسن موسى الصفار حفظه الله في مسجد الإمام الجواد يوم الإثنين / ليلة الثلاثاء 26 شعبان 1430 هـ حيث قدم فضيلة الشيخ حميد درويش إمام صلاة الجماعة بمسجد الإمام الجواد سماحة الشيخ حسن الصفار ليؤم المصلين جماعة.
وبعد الإنتهاء من الصلاة باشر قارئ القرآن بقراءة بعض آيات من الذكر الحكيم تلاها على مسامع الحضور الأخ الكريم أسامة الغانم وبعدها أشار المقدم الأستاذ منصور مرهون بأن إدارة المسجد وعلى رأسهم فضيلة الشيخ حميد كانت تهيأ نفوسنا باستقبال هذا الشهر الكريم وأشار بنبذة بسيطة عن ضيفها الكريم في هذه الليلة المباركة تستضيف هذه اللجنة علما من أعلام المنطقة طالما تنقل من مناسبة إلى أخرى كالنحلة الدّؤوب فتراه حيناً يحمل هم مجتمعه ليبصره أرباب المسؤولية وتراه حيناً آخر مستشارا لمسئوليات مفصلية وحينا آخر يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم ما دام هناك جزء يسمح من وقته إنه حقيقة أحد أمراء الكلام في زمننا هذا والخطيب المفوه الذي طالما ارتقى المنابر الحسينية بمحاضراته وحواراته الهادفة في القنوات الفضائية وأشبع قلمه في تأليف الكتب ومختلف الموارد في العلوم الإسلامية هو سماحة الشيخ حسن موسى الصفار وقبل البدء في إلقاء كلمته الخاصة تحت عنوان: "شهر رمضان والانفتاحية مع الذات" تحدث عن أهمية وجود أهل الخير والصلاح من أئمة المساجد ودورهم في تربية الأجيال الصالحة والاستفادة منهم كما أشاد بقوله بأن وجود إدارة في المسجد هذا مكسب كبير قيام هذا المسجد بين أظهركم ليعمروا هذا المسجد بالهدى كما وفق الله إعماره بالبناء فبناء المساجد نعمة كبيرة حتى يستفيد الجميع من عطاء هذا المسجد المبارك ومن أجوائه الروحية العظيمة وبعدها قدم سماحته التهاني والتبريكات للحضور وللأمة الإسلامية جمعاء بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك.
نص محاضرة سماحة الشيخ حسن موسى الصفار حفظه الله بمسجد الإمام الجواد تحت عنوان:
عن رسول الله أنه قال: "من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فأبعده الله" إدراك شهر رمضان هو نعمة لأن الأعمار والآجال بيد الله سبحانه وتعالى وحينما يستقبل الإنسان شهر رمضان عليه أن يشكر الله على نعمة بقائه لإدراك هذا الشهر الكريم, نسأل الله أن يطيل أعمارنا وإياكم في خير وعافية وصلاح إنشاء الله.
"من أدرك هذا الشهر الكريم فلم يغفر له" أهم شيء ينبغي الوصول إليه والطموح في تحققه في هذا الشهر الكريم هو هذا المطلب العظيم الكبيرغفران الله ولذلك فإن المؤمن في كل ليلة من ليالي شهر رمضان يستحضر في نفسه هذا الهدف "اللهم إن لم تكن قد غفرت لنا في ما مضى من شهر رمضان فاغفر لنا فيما بقي منه" هذا هو أكبر هدف وأكبر طموح عند الإنسان في شهر رمضان الوصول إلى الغفران غفران الله سبحانه وتعالى.
ماذا يعني الغفران؟ الغفران له بعدان: -
البعد الأول: هو أن الله سبحانه وتعالى يسقط عن الإنسان الآثام والتبعات التي لحقته جرّاء ذنوبه وأخطائه في هذه الحياة, كُل ابن آدم خطاء الإنسان عنده أخطاء, عنده عثرات, عنده نقاط ضعف ونحن نعتقد بأننا مسئولون أمام الله سبحانه وتعالى وأن هناك رصدا علينا لإعمالنا الصالحة والطالحة هناك رصد قد نغفل وقد ننسى ولكن الملائكة الكرام الكاتبين الذين يكتبون ما يفعلون لا يغفلون شيئا مما يعمله الإنسان بنص الآية المباركة ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾.
كل كلمة من كلماتنا, من كلماتك, من كلمات أي إنسان, كل عمل من أعمالك فهي مسجلة عليك ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدا ً﴾, ونحن الآن نعيش في عصر أصبحت فيه هذه الفكرة وهذه المسألة جلية واضحة تسجيل همسات الإنسان وأقوال الإنسان وتحركات الإنسان في مختلف الوسائل المتطورة تحصى على الإنسان كل حركاته وسكناته وتُوثّق الصوت والصورة هذا من المخلوق الضعيف من البشر وصل إلى هذا المستوى بإمكانك أن تضع أجهزة تصور وتلتقط كل ما يحصل في هذا المكان بل أقمار صناعية هي التي ترصد كل ما يجري وكل ما يدور بالصوت والصورة في أبعاد ومختلف المستويات فكيف برب الأرباب؟ وهو الخالق سبحانه وتعالى ﴿ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ ما يدور في نفسك وما يختزنه قلبك كل ذلك مسجل عليك هناك تبعات من ذنوب هناك تبعات للأخطاء غفران الله سبحانه وتعالى في البعد الأول يعني إسقاط هذه التبعات – إسقاط هذه الآثام – إسقاط هذا الوزر عن الإنسان وهذا مطلب عظيم لأن الله سبحانه وتعالى إذا حاسبنا وإذا عاقبنا على أعمالنا فإن ذلك يعني البلاء ولذلك نحن نطلب من الله سبحانه وتعالى أن لا يتعامل معنا حسب القانون "اللهم عاملنا بعفوك ولا تعاملنا بعدلك" إذا حسب القانون معنى ذلك الهلاك لأن الإنسان من طبيعته تصدر منه أخطاء وسقطات فالبعد الأول للغفران إسقاط التبعات والأوزار والآثام بحيث أن الله سبحانه وتعالى يسقط عنك كل ما تسببه ذنوبك لك من تبعات وآثام وعقاب هذا هو البعد الأول لكن هذا البعد يرتكز على بعد آخر ويتكأ على سبب آخر في
البعد الثاني: كيف يُغفر ذنب الإنسان؟ كيف يتجاوز الإنسان الذنب الذي يرتكبه؟
نحن نكرر دائما وأبدا أستغفر الله ربي وأتوب إليه ومن الأعمال والمستحبات في شهر رمضان وفي شهر شعبان وفي كل وقت طلب الدعاء والإستغفار حتى يلتفت الإنسان إلى ذنبه ويلتفت إلى الخطأ الذي يرتكبه ويلتفت إلى نقطة الضعف ويصمم على الترك وعلى إصلاح نفسه وذاته وهذه مسألة مهمة جدا أن جسمك يحتاج بين وقت وآخر إلى التنظيف والى الغسل وإذا لم تتعهد بذلك فإن جسمك تكون فيه روائح نتنة فلابد وأنك بين فترة وأخرى تغسل جسمك وكذلك ثيابك يلحقها الغبار وتحتاج إلى الغسل وأن منزلك يحتاج إلى الكنس والتنظيف وعليك أن تعلم بأن نفسك أيضا يلحقها الغبار ولكنك يجب أن تتعاهد نفسك بالتنظيف.
كيف تٌطّهر نفسك؟ كي تزيل الشوائب والغبار والأوساخ التي تأتي بها لنفسك بطبيعتك البشرية وطبيعة الحياة التي تعيشها أنت بحاجة إلى وقفات مع نفسك حتى تكتشف الخطأ وتكتشف مكان الأوساخ الموجودة في نفسك.
إنّ الواحد مناّ لا يخرج للناس حتى يرى المرآة ليعكس صورته وشكله الحسن أمام الناس وعلى الإنسان أن تكون له مرآة يرى فيها وجهه الداخلي والحقيقي والروحي, إذن شهر رمضان يتيح لك هذه الفرصة الجميلة ومن أفضل الفرص دائما وأبدا على الإنسان أن يحاسب نفسه كما ورد عن رسول الله "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن تُوزنوا" ولكن شهر رمضان هو الوقت الأفضل والأنسب للبحث في زوايا النفس وأهم شيء في هذا الشهر الكريم أن يضع الإنسان لنفسه برنامجًا لمحاسبة نفسه وللتأمل في ذاته وأن يكون أمامه مسرد يسرد ويكتب ويسجل ويستحضر فيه كل أوضاعه على الصعيد الفكري ما هي الأفكار التي تؤمن بها؟ وما هي القناعات التي تحملها؟ هل أنت متأكد أن كل أفكارك صحيحة وصائبة؟ قد تكون أفكارك خطأ وقد تكون بعض أفكارك بعيدة عن الصواب إذن عليك أن تعيد النظر وعليك أن تتأمل في الأفكار التي تحملها وعليك أن تتأكد من حالاتك النفسية نحن على صعيد الجسم عندنا فحوصات بين فترة وأخرى يُفضّل أن يذهب الإنسان ويعمل تحليل لدمه ويعمل فحوصات في المختبر ويقوم بعمل أشعة حتى يتأكد من أوضاع الأجهزة في جسمه وأنها تسير بشكل طبيعي إنك بحاجة أيضا إلى مختبر – إنك بحاجة إلى تحاليل – إنك بحاجة إلى أشعة للجانب الروحي وللجانب الداخلي وأفضل وقت لذلك هو شهر رمضان الكريم وكذلك في المجال السلوكي على كل إنسان أن يستحضر كل سلوكياته كيف أتعامل مع الوالدين والأبناء والأزواج والجيران والزملاء والناس من حولي؟ على الإنسان أن يستحضر هذه الأمور لأرى مكان الخطأ, لأرى نقطة الضعف, لأرى الزاوية التي تحتاج إلى إضاءة, أما المختبر والأشعة التي ينبغي تصنيفها على النفس فهي عبارة عن البرامج الروحية التي يدعونا إليها الإسلام في شهر رمضان المبارك قراءة القرآن الكريم في كل يوم تقرأ على الأقل جزء من القرآن.
ماذا يعني تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان؟ ليس طي الصفحات فحسب وليس مجرد تلاوة الآيات باللسان وإنّما أن تسمح لأشعة القرآن وتسلط أشعة القرآن على نفسك وعلى سلوكك وأن تجري التحاليل والأشعة والفحوصات كاملة على نفسك من خلال قراءتك لآيات القرآن الكريم وكذلك الأدعية الشريفة الواردة حينما تقرأ دعاء أبي حمزة الثمالي في ليالي شهر رمضان عليك بالفعل أن تقرأ كل فقرة من فقرات الدعاء وأنت تتأمل في ذلك ونفسك وتطبقها على واقعك وسائر الأدعية الواردة في شهر رمضان المبارك ومن ضمن البرامج صلاة الليل هي فرصة أن الإنسان يخلو بنفسه بعيدا عن الإهتمامات المادية وعن الشهوات وعن الأهواء.
﴿وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودا﴾ الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه وخير خلقه نبينا محمد ونحن أحوج إلى هذا البرنامج ونحن يجب أن نقتدي أيضا بسيرة رسول الله وأهل بيته , النافلة التي يتهجد بها الإنسان في الليل تساعده على أن يكون في مقام محمود يحمده الله ويحمده الناس وماذا يعني المقام المحمود؟ طبعا لها عدة معاني من معانيها أن يكون في موقعية مرضية عند الله سبحانه وتعالى وعند الناس لأنه لم يفرط بين صلاة الليل وبين المقام المحمود ولأن صلاة الليل تتيح للإنسان فرصة التأمل فرصة مراجعة الذات فرصة توثيق الصلة بالله سبحانه وتعالى اذا استطاع الإنسان من خلال شهر رمضان أن يصحح أخطائه الفكرية النفسية والسلوكية يكون قد حقق ووصل إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى أمّا اذا دخل عليه شهر رمضان وخرج عنه وهو بنفس السلوك لم يتغير عليه شيء من سلوكه لم يتغير شيء من أوضاعه وحالاته النفسية لم يتغير شيء من أفكاره هذا يعني أنه لم يصل إلى هذا المقام إنّنا بحاجة إلى الإلتفات إلى سلوكنا لا نسترسل حالة الإسترسال وحالة الإستصطحاب إلى ما نحن عليه هذا هو الخطأ الكبير علينا أن نقف ونتأمل ويكون عندنا استعداد للإعتراف بالخطأ مع أنفسنا وأمام الله ونصمم على إصلاح وتغيير الخطأ أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم جميعا للإستفادة من نعمة شهر رمضان المبارك ومن أجوائه الروحية العظيمة النافعة الملهمة المربية وهذه دورة تدريبية عظيمة وهذا مصح نفسي يدخله الإنسان حتى يخرج منه وقد شفي من مختلف الأوجاع والعلل نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن رحمه وغفر له وتقبل منه وقربه إليه في شهر رمضان المبارك ان شاء الله وأن يحيط بهذا المسجد البرامج الرمضانية التي تكون فيه دور في مساعدة المؤمنين المرتادين لهذا المسجد على الوصول إلى مقام غفران الله سبحانه وتعالى.
وفقنا الله وإياكم لكل خير وجزاكم الله جميعا خير الجزاء وبارك الله لكم في هذه الأجواء والفرصة الطيبة التي تتمتعون بها والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.