ثقافة البذل والعطاء
الإنسان في هذه الحياة يمكنه الله تعالى من كسب المال وتحصيل الإمكانات، وبالتأكيد فإن ذلك لا يحصل إلا بعون الله تعالى؛ لأن الله هو الذي يعطي الإنسان جسمًا وعقلاً، يتحرك بجسمه وعقله من أجل أن يتحصل على الرزق والإمكانات، كما أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أودع كنوز الرزق في هذا الكون، ليأكل الإنسان من رزق الله، ويحصل ما يحصل عليه من فضل الله سبحانه وتعالى، ولكن الناس يتفاوتون في قدراتهم وفي بيئاتهم، وفي مدى الجهود التي يبذلونها من أجل تحصيل الرزق، ولذلك تتفاوت مستوياتهم في الرزق، وفي بعض الأحيان تكون هناك ظروف معيقة أمام الإنسان تمنعه من الوصول إلى رزقه، ولكن الرزق والمال الذي يكسبه عليه أن يعرف أنه مؤتمن عليه، يصرف منه على نفسه ومصالحه وعلى الحاجات العامة والآخرين، فمن الخطأ الكبير أن يعتقد الإنسان أن ما يحصل عليه من مال هو له فقط.
إن الله سبحانه وتعالى قدر الأمور، فنجد بعض الناس يصلون إلى أرزاقهم مباشرة، بينما البعض الآخر منهم يصلون إلى أرزاقهم بوساطة الآخرين، فجعل الله حصصهم في الرزق مع حصة أولئكم الذين يحصلون على أرزاقهم مباشرة، ولذلك أوجب الله علينا في الإسلام أن ندفعها إلى من لم يتمكن من الوصول إليها، وفي ذلك يقول تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾، وفي آية أخرى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾، لذلك على الإنسان أن يعرف أن المال الذي عنده ليس له فقط، وإنما فيه حصص للآخرين للشأن العام، كما أن ما ينفقه الإنسان على الشأن العام يعود عليه بالنفع باعتباره جزءًا من هذا المجتمع، وكذلك باعتبار ما ضمن الله تعالى للإنسان من عوض، فهذه مسألة مهمة جدًّا لا ينبغي أن نمر عليها مرور الكرام، الإنسان يبذل جهده للحصول على المال ولكسب الرزق، ولكنه لا يضمن أن يوفق في جهده، فكم من إنسان يسعى ويعمل ولكنه لا ينجح فيما سعى إليه.
البعض قد يكون لديه المال، لكنه يضطر لإنفاقه على أشياء أخرى، كأن يصاب هو أو أحد أفراد عائلته بمرض، فيضطر أن يصرف أكثر ماله من أجل مصاريف العلاج، أو يضطر لصرف جزء كبير من ماله جرّاء حدث ما.
إن هذه الحوادث تعوق الإنسان من أن يتمتع بهذا المال، والشيء الواضح أنه سيفارق هذا المال عندما ينتقل إلى العالم الآخر. وفي مقابل كل هذه الاحتمالات، فإن الله سبحانه وتعالى يفتح أمام الإنسان شركة تأمينات مضمونة بضمان إلهي، فالله تعالى يقول: «وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»، إن الله يضمن للإنسان تعويض ما ينفقه، ويبقى على الإنسان أن يثق أو لا يثق بوعد الله وضمانه، ولذلك على الإنسان أن يفكر بموضوعية وعقلانية، فحينما ينفق فإن ذلك يسبب له المزيد من التوفيق في أعماله التي يسعى فيها، فيدفع عنه المشاكل التي تستهلك ماله، ويكون قادرًا على التمتع بما رزقه الله من أموال، ويمكنّه من الشعور بالسعادة بهذه الأموال وهذه المكاسب، والأهم من ذلك: الثواب العظيم من الله سبحانه وتعالى. علينا أن ننشر ثقافة العطاء؛ لأن البعض قد يسأم إذا طرق بابه أكثر من شخص من القائمين على البرامج الاجتماعية، إذ يتبرّم ممن يطلبون منه المساعدة والدعم قائلا: للتوّ قد تبرعتُ للجهة الفلانية، وأمسِ قد أنفقت على المشروع الفلاني وهكذا.
على الإنسان ألا يتبرم من فعل الخير، فبما أنه يغنم كل يوم، فليتبرّع كل يوم أيضًا، لتكون هذه المشاريع من اهتماماته ومصروفاته الدورية، كما هو الحال مع فواتير الكهرباء والاتصالات الهاتفية وغيرها. فهذا من مال الله، يقول تعالى: ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾.
روي عن رسول الله يقول الله تعالى : «يا ابن آدم، أَنْفِقْ، أُنْفِقْ عليك». وعنه : «من يبسط يده بالمعروف إذا وجده، يخلف الله له ما أنفق في دنياه ويضاعف له في آخرته».
وعن رسول الله أنه قال: «أرض القيامة نار ماخلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله»، وعنه : «ما نقص مال من صدقة قط، فأعطوا ولا تجبنوا»، لا يكن الإنسان جبانًا في العطاء، فإذا دار صراع في نفسه بين الرقم الأقل والأكثر، فليدفع الأكثر، ولينتصر على نفسه. هذا ما تعلمنا إياه النصوص ويربينا عليه الإسلام.
يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «من أيقن بالخلف جاد بالعطية». ويقول : «لم يرزق المال من لم ينفقه».