حماية البيئة البحرية مسؤولية الجميع
آيات كثيرة في القرآن الكريم تحذر من الإفساد في الأرض، ويمكننا أن نتصوره على وجهين:
الوجه الأول: الفساد الاجتماعي، أي انتشار الفساد في المجتمع البشري، وهو ما يشمل الانحرافات، والموبقات، والجرائم، فالشقاء يسود أي مجتمع ينتشر فيه الفساد، وتنعدم فيه السعادة والأمن، وتنتهي فيه القيم والأخلاق.
الوجه الآخر: الفساد البيئي: أي تدمير موارد البيئة، وتلويثها، هذه الطبيعة التي تعيش في أحضانها، خلقها الله تعالى لك، الأرض التي تعيش عليها وفيها الثروات والإمكانات، هواء تستنشقه، وماء تشربه، وتستفيد منه في مختلف الجوانب، وهناك الكائنات الحية والنباتات، والبيئة هي: (كل شيء يحيط بالإنسان)، وهي (الإطار الذي يمارس فيه الإنسان حياته من أرض وماء وهواء وكائنات)، هذه البيئة الطبيعية خلقها الله سبحانه وتعالى ووضعها على نحوٍ متوازن، ضمن نظام وقانون، وعلى الإنسان أن يحافظ على هذه البيئة التي يعيش فيها، فلا يفسد فيها، يستفيد من خيراتها ضمن نظام مصلحة البيئة، بحيث لا يتعدى فيكون مفسداً، يمكننا أن نفهم هذا الأمر من خلال القرآن الكريم، إذ يتحدث الله سبحانه عن الفساد فيشير إلى ما يرتبط بالبيئة والحياة العامة، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾، فالإضرار بالحرث والنسل مصداق للفساد، أنت مؤتمنٌ على هذه البيئة وخليفة الله في هذه الأرض، والمطلوب منك عمارة الكون، ﴿أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾، في بعض الأحيان وبدافع الجشع أو التلهي والعبث يفسد الإنسان أجواء هذه البيئة، ويتعدى على مواردها بما يزيد عن حاجته، المطلوب منك الاستفادة من البيئة وليس هدر مواردها من غير فائدة، لأنها ليست ملكك وحدك، بل هي للأجيال بعدك، كما أن العبث بالبيئة يؤثر على حياة الإنسان بوجه عام، فالله سبحانه عندما خلق الحياة جعل فيها توازناً، وقد وجد العلماء في بعض المناطق أن انقراض بعض الحشرات أوجد خللاً بيئياً، كل نبتة وكل مخلوق في هذه الحياة له دور، قد تجهل دوره وقيمته، لكن الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئاً عبثاً، لذلك على الإنسان أن يحافظ على هذه البيئة.
يقول أمير المؤمنين : (اتَّقُوا اللَّهَ فِي عِبَادِهِ وبِلادِهِ فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ والْبَهَائِمِ)، لنتحدث الآن عن مشكلة تعانيها منطقتنا، وهي العدوان على البيئة البحرية، وتدمير موارد ثروتها، هذا الخليج الموجود على سواحل منطقة القطيف، المعروف بخليج تاروت الذي يمتد من رأس تنورة حتى الدمام، ويمر على العديد من القرى والمدن بدءاً من صفوى والعوامية والقطيف وسيهات وعنك، يعتبر محمية بيئية، كما تشير مراكز الأبحاث، فحسب معهد البحوث التابع لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن أن به أكبر كثافة في العالم لأشجار (القُرْم) وتسمى (المانجروف).
يعتبر شجر القرم من أهم مناطق الحضانة والرعاية والتغذية للأحياء البحرية خصوصاً الروبيان، بالإضافة إلى صغار السمك حيث يتكون ما يقرب من ثلث غذائها إما من أغلفة الشجرة أو من الكائنات البحرية اللافقارية التي تعيش هناك. وهو ملجأ للطيور المستوطنة والمهاجرة، وهذا ما ذكرته منظمة الطيور الدولية إذ وصفت هذا الخليج بأنه منطقة مهمة للطيور، كما ويساهم في زيادة نسبة الأوكسجين، ويقلل من نسبة تسخين المناخ باعتباره ممتصاً للحرارة، ويمتص الملوثات الكيميائية والبترولية التي تعج بها شواطئنا وخصوصاً في السنوات الأخيرة، كما أنه يقوم بدور المصدّ الطبيعي للأمواج العاتية.
فهو محمية طبيعية حباها الله لهذا الخليج، ووفر عبرها ثروات سمكية عاشت عليها أجيال متتالية، إن ما يحصل اليوم من قتل لأشجار المانجروف يضر بالبيئة بشكل بالغ، هذه الأشجار التي تعتبر ثروة لا تقدر بثمن، المنشآت الحديثة يمكن بناء أشباهها في أماكن أخرى، لكن الثروات الطبيعية يجب المحافظة عليها لأن مكانها هو الأنسب لها وهو المكان الذي اختاره الله سبحانه حسب دورة الطبيعة، لكن هناك جهات تريد حرمان هذه المنطقة من هذه المحمية الطبيعية والثروة المهمة للأجيال.
برغم ذلك فإن هناك جهات إما بدافع الطمع، أو بدافع الجهل لا تزال تمارس التدمير لهذه الثروة الطبيعية، فهذه الثروة هي للوطن كله، وأبناء المنطقة مسؤولون عن حمايتها، ولا يسعني إلا أن اشكر الأخوة في الجمعية التعاونية لصيادي الأسماك في صفوى، لوقوفهم في وجه هذه المحاولات، إننا نشكرهم على دورهم الحضاري الوطني، كما ندعو المسؤولين ألا يسكتوا على هذا العبث، إذ لا يصح التغاضي عن هذه الممارسات، وعلى المجتمع أن يقوم بدوره، وخاصة المجلس البلدي الذي يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا المجال، علينا أن نتضامن معهم، بل في الواقع مع أنفسنا وبيئتنا وثروتنا.