من أجل الحوار الإسلامي – الإسلامي
الحوار بين المسلمين أو لنقل بين المذاهب الإسلامية والتقريب بينها، هو ليس حاجة فقط بل إنه واجب شرعي تلمح له العديد من النصوص الإسلامية (من الكتاب والسنة المطهرة) وهذا أمر زخر به الفكر والخطاب (الإسلامي) عبر الزمن الإسلامي كله، وتصاعد الدعوة لهذا الواجب الشرعي في عصرنا ظاهر في الفعاليات الوحدوية الإسلامية والمؤتمرات الفقهية والفكرية والمهرجانات الإسلامية والبرامج الإعلامية الرسالية بكل بلاد المسلمين وحتى بالغرب –حيث حرية التعبير أكثر! – لكن على الرغم من الزخم والكثرة في تنظيم مؤتمرات حوارية من قبل بعض الجهات الرسمية والدعوية وغير الحكومية إلا أن التقارب والتعارف والتواصل والحوار بين المسلمين يصطدم بقناعات مذهبية منغلقة ذات نفوذ سياسي واقتصادي، يؤمن أصحابها إيمانا راسخا بأن اللقاء الإسلامي- الإسلامي لا علاقة له بتصورهم للوحدة...!
ولهذا يبذل الكثير من الناس والمؤسسات (سنة وشيعة) في مختلف أنحاء العالم الإسلامي الجهود في سبيل إحياء التعايش الإسلامي المشترك. هذه الجهود تمهد الطريق أمام قبول الآخر المسلم وتفهم خصوصيته الاجتهادية ضمن دائرة الإسلام،و السعي لتقوية مفهوم الشعور المشترك انطلاقا من الأصول المشتركة والحوار حول المختلف فيه من قبل أهل الاختصاص وليس العامة وبعيدا عن التشنج والتعصب والانفعالات الغريبة عن شخصية المسلم الحق، بل بالمحبة والأخوة والحكمة.
و عن هذه المشاريع التقريبية والوحدوية قد يستشكل علينا البعض: ماذا قدمت-المشاريع ووو- للأمة؟ ولماذا تركزوا على الحوار بين المسلمين؟ الظاهر للبعض أن كل المشروعات والمبادرات والدعوات للقاء بين المسلمين لم تغير شيئا، لكن الحقيقة غير ذلك، هناك تقارب فعلا وانفتاحا بين المذاهب على بعضها البعض داخل الدائرة الإسلامية بدرجة معينة...
حيث السؤال الواجب طرحه على بعضنا البعض ماذا تعني الفتنة المذهبية؟ ولماذا تلقى قبولا شعبيا وإعلاميا وسياسيا سريعا بينما الوحدة والحوار والتعايش والتعاون لا يكاد احد يوليها اهتماما؟
الجواب بسيط: لأن الفتنة باطل وشر كلها، أما العناوين الإصلاحية فكلها حق والإنسان الذي لا يتواضع أمام الله والنبي الأكرم والشريعة الإسلامية، يكون عبدا لهواه، فيستكبر عما يدعو له العقل والشرع ويأبى السلام الشامل.
وعليه هناك أمر مهم، بالنسبة للمسلمين كافة أن المشروعات والمبادرات والنداءات للوحدة والخير كله، مهما كانت بسيطة وقليلة بالنظر للترسانة الفتنوية، لكن القيمة ليست بالكم بل بالكيف أو كما ورد عن الإمام علي كرم الله وجه وعليه السلام: "قيمة المرء في ما يحسنه"، فمن يحسن نشر القيم السامية قيم الخير، كالرحمة والعدل والتعارف والسلام والحوار والتعايش والتسامح والوحدة واللقاء ، بالكاد هو من عباد الله الصالحين.
أما الآخر الذي يسعى لبث الفرقة والتناحر والتعصب والتكفير والظلم وما هنالك من سموم الفتنة، لا ريب أنه مفتون نفسه، لأن الحكمة تقول: فاقد الشيء لا يعطيه، لا تصدر الفتنة إلا من شخص مفتون في دينه الذي هو رأسمال المسلم...
و من أمثلة المشروعات والمؤسسات المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ومنتدى الوحدة الإسلامية والتجمع العالمي للعلماء المسلمين، قد تبدو مثالية وغير مؤثرة في الواقع الإسلامي، لكن مثل هذا الحكم مجحف بحقها لأنها شمعات تسعى لإشعاع نور الوحدة الإسلامية، كما تبني وتدعم جسور التواصل بين العلماء من كل المذاهب الإسلامية، وهذا الخير العظيم لا يراه ولا يقدره إلا من يعرف تمام المعرفة ما معنى الخير في الإسلام...
في الختام أنوه على عمل جريء وعظيم وهادف ورسالي، حرره صاحبه في صفحات بيضاء ناصعة وحركه في حياته الدعوية ومن خلال مسؤوليته العلمائية في وطنه وأمته، هذا العمل خاص بعلماء الدين مهامهم وأدوارهم تجاه الأمة كل في موقعه وضمن دائرته المذهبية المنتمية للدائرة الإسلامية، إنه كتاب "علماء الدين: قراءة في الأدوار والمهام" لسماحة الشيخ حسن الصفار، هذا مثال من أمثلة عديدة يشار إليها بالبنان كمراجع ومنطلقات لتجديد العمل الإسلامي المشترك بين الأطياف والمذاهب الإسلامية في الساحة الثقافية الإسلامية العالمية...
وبالتالي: غدا من الواضح لكل أصحاب الفكر والدين والإعلام والاجتماع والسياسة والاقتصاد في واقعنا الإسلامي ولكل مسلم واع مهتم بأمور أمته، أن هناك واقع ضاغط وأمل ساطع لتفعيل وعي إسلامي شامل باستعادة القيم الرسالية الخامدة في وجدان الأمة. وذلك بهدف التخلص من الأحكام المسبقة والتعسفية لدى كل مسلم عن المسلم الآخر، للوصول إلى تعارف متبادل دون أن ننسى الاهتمام بتنظيف المؤسسات الأهلية مع المدارس وهيئات المساجد والجمعيات وبخاصة دور الحضانة لتفادي امتداد ايدز الفتنة المذهبية في الأجيال القادمة...
بصراحة: "لقد ولى زمن أن يكون المرء في مجتمعاتنا، إما سنيا أو شيعيا بعيدا عن الإسلام!"
و الله من وراء القصد.