خطوات الشيخ الصفار والمحرج…التصفيق وحده لا يكفي
تنهض الأمم وترتق عبر مبادرات لأفراد يمثلون نخبة المجتمع، فينهضون به ويرتقون بأوضاعه، متحملين عبء المبادرة بتحركهم ومسؤولية خطواتهم،متجاوزين العرف السائد عبر عشرات السنيين،مؤمنين أن جهود المخلصين إذا استمرت على نفس النهج السابق، فإنها لن تجني سوى النتائج ذاتها، مواجهين قطاعا واسعا من المجتمع يمتلك صوتا مرتفعا، رغم انخفاض نسبته، محاولا تثبيطهم أو إيقافهم عما أقدموا عليه، وهذا هو واقع المجتمعات على مر التاريخ، ولعل النهج الذي اختطه الشيخ الصفار، بانفتاحه وتواصله مع رجال الدين السلفيين، يعتبر حدثا بارزا، سيسجله التاريخ باعتباره اختراقا لحاجز نفسي لم يجرؤ احد على الاقتراب منه، وهاهو الشيخ حسن الصفار يواصل مقاومة أمواج الاعتراض بمختلف أشكالها ومصادرها، ومواصلا حمل لواء التواصل مع الآخر دون كلل أو ملل، مؤمنا أن السبيل لخدمة المجتمع والوطن، هو في تواصل أبنائه مع بعضهم البعض، وان الانزواء والانطواء لن تؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر، وان رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، ولعل تلك الخطوات التقت بمصلح آخر وهو الدكتور المحرج الذي حضر إلى القطيف هذا العام، مستمعا إلى احد مجالس ليلة العاشر من المحرم في القطيف، بل متجاوزا ذلك إلى إلقاء كلمة في نفس تلك الليلة، في احد المجالس الحسينية، ولعل الحديث قبل عقود عن مثل هذا الأمر يعتبر ضربا من الجنون.
وهاهي خطوات التواصل والتلاقي تستمر فيلتقي الشيخ الصفار بمبادرة من الشيخ المحرج بمجموعة من رجال الدين السلفيين، ويخرج اللقاء بانطباع طيب من الطرفين، كل ذلك جميل ومفيد ومهم، وقد تم الحديث عنه باستفاضة من قبل الكثيرين، إلا أن ما يمكن الإشارة إليه أو تأكيده:
أولا: إن الردود التي قدمها سماحة الشيخ الصفار، هي في مجملها ردود تحدث عنها سماحته مرارا وتكرارا وتحدث عنها آخرين في كتب عده، إلا أنها هذه المرة بدت كمعلومات جديدة يسمعها رجال الدين السلفيين لأول مرة، وما سبب ذلك إلا لضعف التواصل بين الطرفين من جهة، إضافة إلى انقطاع رجال الدين السلفيين عن الإطلاع على كتابات رجال الدين الشيعة وهي منشورة على الملأ، أو أن من ينقل لهم المعلومات حول الطرف الآخر «الشيعة» فانه يختار الأمور التي تفرق وتوتر العلاقة بين الطرفين، لذا فحري برجال الدين السلفيين التواصل المباشر مع بقية المواطنين ليتعرفوا على أرائهم وأوضاعهم وبرامجهم وأنشطتهم عن قرب، ولا يتم البناء على انطباعات من مخلفات القرن الماضي أو القرون التي سبقت، وفي هذا السياق يتحدث الدكتور سلمان العودة عن زيارته لتركيا، ومشاهدته الوضع هناك - رغم عدم وجود الحاجز المذهبي وهو حاجز كبير وضخم -، ومع ذلك كانت الانطباعات لديه مختلفة عن الواقع، فلما زار تلك الديار وعاد أوضح أن نظرته عن الوضع هناك تغيرت، وان تقييمه للوضع هناك اختلف قبل الزيارة عن بعدها.
فكيف الحال عندما يقف بيننا الحاجز المذهبي، لا شك أن الهوة ستكون كبيرة،،والمسافة بعيدة،وانطباع كل طرف عن الآخر يكون غير دقيق، وما خطوات الشيخ المحرج، ألا - في جزء منها على الأقل - نتيجة لتواصله السابق مع إخوته الشيعة في المنطقة الشرقية، لذا فإننا نؤكد على أهمية التواصل والتزاور للباحث عن الحقيقة، وللباحث عن تقوية اللحمة الوطنية.، ولمن يتبنى النهج الديني في علاقته مع الآخرين.
ومن جانب آخر نؤكد على اخذ المواقف من مصادرها وعدم الاعتماد على الناقلين المغرضين أو الجاهلين لدقة ما يتقلون أو نوعيته.فيتغافلون عن نقل المعلومات التي تقوي العلاقة أو تحسنها، مكتفين بنقل المعلومات المثيرة للجدل، أو للعلاقة بين الأطراف المختلفة، فلابد للمهتمين بالوصول إلى الحقيقة ولرجال الدين السلفيين من التواصل المباشر مع مصدر المعلومات، والإطلاع عليها.
ثانيا: فرح الكثيرون وسعدوا بما سمعوا، فهناك من صفق للحدث وأثنى عليه من خلال الكتابات والاتصالات، إلا أنني لا اعتقد أن ذلك كافيا، فالهوة أيها الأخوة بين أبناء الوطن الواحد كبيرة، وسبل التواصل تكاد تكون معدومة، وصرخات التكفير تتوالى يوما بعد آخر، حتى ممن كنا نظنهم اعقل من ذلك وابعد منه، لذا فان العمل المطلوب كثير والجهد الذي نحتاج إليه كبير،والاكتفاء بدور المتفرجين أو المصفقين لا يكفي، بل علينا أن نكون نحن ممثلين أيضا، بل ومنتجين ومخرجين، فالحاجة اكبر من أن نكون في كراسي المتفرجين فقط،لذلك على المقتنعين بهذه الخطوات أن يحدو حدوها ويمارسوا نفس الأدوار، كل في موقعه، حتى نستطيع أن نساهم مع الآخرين في بناء التواصل، وزرع الثقة، وتقوية أواصر العلاقة مع شركاء الوطن والمصير.