السنة والشيعة والواقع المأمول
حينما أمرنا الله عز وجل ألا نتنابز بالألقاب، فإنما اقتضت حكمته أن يقطع دابر الفرقة المؤدية إلى الفتن المضرة بالأمة، ذلك أن نبز المسلم بلقب لا يحبه، خاصة إذا كان ذلك بأمر من الدين يتهمه بمخالفته، فإنه سيقع من نفسه موقعاً يملأ صدره عداوة وبغضاء عن نبزه به، وما التناحر الذي نلحظه بين الطوائف ومعتنقي المذاهب إلا وكان مصدره هذا التنابز، والذي أصبح في عصرنا تصنيفاً يرفع لواءه المختلفون حول الأفكار والاجتهادات، فيصعدون به خلفاً قد يؤدي أحياناً إلى فرقة ثم فتنة ينال الجميع شررها المحرق، وحينما انقسم المسلمون بعد أحداث جسام، تمنى كل مسلم لو أنها لم تحدث، فالأصل في أسبابها حتماً ليس الدين، وإنما تطلع إلى الدنيا في غالب الأمر، فالخلاف سياسي لا ديني، قد لا يكون الرعيل الأول منتبهاً له، ولكن من جاءوا بعدهم أسسوه وثبتوه، وبنوا عليه أفكاراً وعقائد، لازالت حتى يوم الناس هذا توجه حركة الكتلتين الكبيرتين من المسلمين، أعني السنة والشيعة، وتلحق بهما طوائف أخر كالإباضية مثلاً، وأفكارهم الطائفية توجههم في كثير من الأحيان لعدم قبول بعضهم بعضاً.. حتى يعد بعض المنتمين إلى إحدى الطائفتين الطائفة الأخرى خارج دائرة الإسلام، بل لعله يراها أشد عليه من عدوه الذي لا يؤمن بدينه، وبسبب هذا ظهر بين الطائفتين تنابز بالألقاب زاد الشقة بينهما، حتى كاد ألا يكون بينهما لقاء، فاتهم بعض الشيعة السنة ببغضهم لآل بيت النبوة، وانتقوا أفراداً ممن ينتمون لأهل السنة لديهم انحراف عن آل البيت لأسباب غير دينية ولاشك، وألفوا في ذلك كتباً في ذكر هؤلاء وأقوالهم، وأسموهم الناصبة، واتهم السنة الشيعة بكراهية الصحابة رضوان الله عليهم، ورصدوا ذلك من بعض مؤلفات علمائهم، وذكروا اللعن والدعاء حتى على أميز الصحابة، الخلفاء الثلاثة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان، ولعل هذا ليس منهجاً لجميع المنتمين إلى الطائفة الشيعية خاصة منها الإمامية، وسمى السنة الشيعة رافضة ونبزوهم به، والسب والشتم لا تخلو منه أدبيات الطائفتين، وهو لا خير فيه للأمة، وإنما هو ردة إلى أسلوب جاهلي نهينا عن اتباعه، وعلينا الاعتراف بأن الخلاف بين الطائفتين موجود متوارث وهو عميق في بعض جوانبه، لا يمكن التخلص منه بسهولة، بل لعل التخلص منه أمر يكاد أن يكون مستحيلاً، ولكن الأمر الذي نتفق عليه جميعاً أنه عبر انتساب الطائفتين إلى الإسلام فالمتفق منه بينهما كبير، وهو ما يسهل عليهما إن أرادا أن يجتمعوا عليه ويبنوا عليه التعايش بينهما، وأن يحسنوا التعامل مع الباقي المختلف عليه، الذي يسبب بينهما التنافر الشديد، فلن تستطيع طائفة منهما أن تحول الأخرى عن كل معتقداتها، وإنما أن تحتمل من الاختلاف ما يمكن احتماله، وأن ينحى الخطر منه فلا يعلن للعامة حتى لا يكون اسباب تصادم يقود إلى فتنة، ولينصرف همهما إلى تعايش بينهما دون إثارة أحقاد، اسبابها تسكن التاريخ البعيد، ولنعرض عن نبش موروث الخلافات التي ما طرحت الا زادت الجروح عمقا، وليراعِ كل طرف ألا يعلن من تراثه ما يعتبر جرحا للطرف الآخر، يستدعي به عداوته، وأن يأخذ الكبار على أيدي الصغار، ويعلموهم آداب السلوك تجاه الآخر قبل أدب الحوار فإن ما يحدث اليوم من تجييش لعامة الطائفتين ضد بعضهما، يقوم به بعض من لا يريدون خيرا للأمة، عبر استحضار الفروقات التي اصطلح على تسميتها بالعقدية، لتعميق جذور الاختلاف والتمايز بين الفريقين، وهو ما يشير الى مستقبل غير آمن للطرفين ان ظل الحال على ما هو عليه الآن، والقنوات الفضائية تمارس هذا الدور والصحف المتخصصة فيه، والتي أخذت تنتشر في بعض الأقطار الإسلامية، ودور النشر التي لا تقوم إلا بنشر الكتب التي تستبقي الخلاف قائما، تذكر به كلما غاب عن أذهان الناس، ولسنا بصدد تحميل المسؤولية لأحد الطرفين، وإنما نسبر غور حالة نرجو الا تستمر طويلا، وليس المطلوب ان يلغي أحد الطرفين اقتناع الطرف الآخر بمذهبه، فهذا لا يكون وقد استمر المذهبان بالتواجد على ارض الواقع قرونا متعددة ولأن المواطنة حق للجميع، فهذا يعني أن يتساوى الناس في الحقوق والواجبات، وان تلغى من الأذهان فكرة ان هناك اكثرية لها كل الحقوق، وأقلية لا حقوق لها أبداً، ويلغى معها أن هناك قويًا يفرض على الضعيف أن يمتثل لإرادته مكرهاً، فلا تبنى الأوطان بمثل هذا، وحتما لن يضير السني ان يكون للشيعي شعائر مختلفة، وأن كان يعتبرها باطلا محضا، وليس بضائر الشيعي ان يتمسك السني بما يعتبره الدين حقا، ما دام أن الفريقين لا يحرمان من حقوقهما الإنسانية المشروعة، التي كما وفرتها شريعة الحق توفرها نظم البشر، إن حالات الاحتقان التي يولدها تجييش الوعاظ والدعاة في العالم الإسلامي من كلا الطرفين مؤذية حقا، والتجارب عبر التاريخ تؤيد ما نقول، والحوادث القريبة العهد في العراق تنبهنا إلى ذلك، وما يجري على أرض لبنان، وما يحشد له من سنوات ثلاث يحذرنا من الأفكار الطائفية إذا وجدت لها طريقا إلى رؤوس المواطنين وحركتهم، أفسدت الحياة، وأفقدت الناس الأمل في عيش كريم آمن، ولهذا فإن الكف عن هذا المنحى الفكري المؤدي حتما إلى تزايد الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وتأسيس للكراهية والبغضاء بينهم، وهو ما قد يسلمهم إلى صراع دائم، كله خسران مبين حتما، لا طرف رابح فيه أبداً، فليتوار المنحرفون، وليبرز إلى الساحة العقلاء المعتدلون، الذين يهمهم بناء الوطن سالما متطورا، وهو ما نرجوه دوما.
والله ولي التوفيق.