المشكل الطائفي والمسؤولية الوطنية
تحت هذا العنوان، ألقى سماحة الشيخ حسن الصفار، محاضرته الثقافية بتاريخ 24-11-,2004 التي حضرها حشد كبير من الجمهور، من مختلف المناطق والتوجهات الفكرية والثقافية والمنحدرات المذهبية، وذلك في مقر ديوانية الملتقى الثقافي (في موسمها الثاني)، والذي أتشرف باستضافتها في منزلي، وكذلك العمل ضمن هيئتها الإدارية، التي تضم نخبة من الكفاءات، العلمية، الثقافية، والإدارية المميزة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا اخترت الكتابة عن ندوة ثقافية مضى عليها قرابة خمس سنوات؟ سببان وجيهان في ظني، استوجبا حديثي عن المحاضرة، هما أولا: صدور تلك المحاضرة والمداخلات الغنية التي أعقبتها في كتيب، صدر حديثاً، وكان من دواعي سروري كتابة مقدمته.
وهو ما يعكس تطوراً مهماً، على صعيد ترسيخ قيم الحوار، التسامح، الانفتاح، القبول بالآخر، الاحترام المتبادل، والتفاعل الإيجابي والبناء بين المكونات والأطياف الوطنية والإسلامية المختلفة في السعودية، وذلك على قاعدة وأرضية الهموم والقضايا الوطنية الجامعة، والأبعاد الحقوقية والإنسانية المشتركة، وبغض النظر عن تنوع واختلاف مرجعياتها الفكرية، الثقافية، والمذهبية.
ثانياً: ما كشفته الأحداث المؤسفة في البقيع والمسجد النبوي (الموقف العدائي وغير البناء والهجوم غير المبرر لأفراد الهيئة ومناصريها ومسانديها ضد الزوار الشيعة) وما رافقه وأعقبه من تعديات جسدية وإهانات واعتقالات بحق بعض الشيعة، قوبلت بردات فعل عفوية صاخبة في الشارع (مظاهرات المدينة، القطيف، العوامية، وصفوى). مواقف الفعاليات الدينية والوطنية (خارج الدائرة الشيعية) المحلية عموماً، إزاء تلك الأحداث، لم يكن موضوعياً، في قراءته وخصوصاً، في إغفال وتجاهل الجانب والبعد المبدئي والحقوقي فيها، إذ غلب عليها تبني الرواية الرسمية لما حدث، كما سارع البعض بربطها، بأجندة خارجية (إيران) وفقاً لنظرية المؤامرة الشهيرة، المنغرسة بعمق في النظام والعقل العربيين.
من بين ردود الأفعال كان السعي إلى تأجيجها وتصعيدها من قبل الجماعات الدينية المتشددة، وفي الكثير من القنوات الفضائية ومواقع الشبكة العنكبوتية المختلفة ذات المنحى الطائفي. من المهم قراءة ما جرى في المدينة من أحداث وتداعيات، على أنه انعكاس لدرجة عالية من الاحتقان والتوتر الطائفي المنغرس عميقاً لدى الناس على مدى عقود، والذي يتعين الوقوف عند أسبابه وعوامله الحقيقية.
من هنا تنبع أهمية وراهنية ما طرحه الشيخ حسن الصفار في الأمسية الثقافية، وفي ردوده على المداخلات، والتي أدارها باقتدار، وحنكة، الزميل والصديق الكاتب المعروف حمد الباهلي، الذي تجشم مشكوراً عناء القدوم من الرياض خصيصاً لهذه المناسبة.
أهمية المحاضرة، تتمثل قي شخصية المحاضر، الذي هو شخصية دينية لها موقعها ووزنها المهم، ليس على الصعيد الشيعي المحلي أو الوطني فقط، وإنما على الصعيدين الشيعي والإسلامي العام، كما تعكس مدى التطور النوعي في مقاربة المشكل الطائفي، باعتبارها مشكلة وقضية وطنية في المقام الأول. تشخيص وتحليل المحاضر للموضوع، وتأكيده على ضرورة التصدي له، من خلال وضع حلول جذرية وآليات واضحة، واعتباره مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع وفي مقدمتها الدولة، مما يتطلب وضع إستراتجية وطنية شاملة لمواجهة التمييز الطائفي، بمختلف مظاهره وتجلياته، وضمان وترسيخ مفهوم المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات بين الجميع، وفي المجالات كافة، والعمل على نشر ثقافة التسامح والقبول بالآخر المختلف، وذلك من خلال إصلاح الخطاب الديني والإعلامي والتعليمي وسن القوانين والتشريعات التي تجرم التكفير وثقافة الكراهية إزاء الآخر. كما شدد على مسؤولية المواطنين الشيعة، في أن لا يواجهوا الخطأ والطائفية المقيتة بخطأ وطائفية مماثلة، وفي اعتبار مطالبهم الخاصة ينبغي أن تندرج تحت الإطار والمطالب الوطنية العامة، حيث أشار إلى أنه ''لا يصح لهؤلاء المواطنين الشيعة أن يحاصرهم همهم الخاص، فيصبح الهم الخاص غالبا على الهم الوطني العام.
ينبغي (على الشيعة) أن يتساموا على هذه الحالة وأن يحملوا قضيتهم ضمن إطارها الطبيعي، وأن لا يضعف في نفوسهم وتفكيرهم وعملهم الهم الوطني. خصوصاً وأن مشكلتهم هي جزء من وضع عام موجود. ولا يمكن حل هذه المشكلة بالكامل إلا إذا كان هناك إصلاح شامل وتطوير شامل''.
هذا المنحى أكد عليه خطاب ''شركاء في الوطن'' المرفوع إلى الملك عبدالله (حين كان ولياً للعهد) في العام 2004 والذي وقع عليه قرابة 450 شخصية من مختلف المناطق ذات الوجود الشيعي الكثيف.
وقد وصف الشيخ أن ''الطرح المتشنج والانفعالي هو الآخر خطأ''. كما دعا الشيخ حسن الصفار في محاضرته، النخب والفعاليات الوطنية عموماً، للقيام بواجبها إزاء مختلف مظاهر التمييز المذهبي، مقارناً ذلك بما حدث من موقف جماعات البيض الذين تبنوا قضية الدفاع عن حقوق السود في الولايات المتحدة الأميركية، محدداً العناصر السياسية، الثقافية، والاجتماعية التي أفرزت المشكل الطائفي وتداعياتها، ومن بينها التكفير والإقصاء والتهميش، ومحذراً من مغبة التجاهل أو الاكتفاء بمواجهة الأعراض والنتائج، في حين تغيب الحلول العملية الشاملة، ومدى تأثير ذلك على تماسك الوحدة الوطنية والمجتمعية، وما يقدمه من ذرائع للاستغلال الخارجي تحت مختلف العناوين.
عندما يطرح اسم سماحة الشيخ حسن الصفار، يتبادر إلى ذهني، على الفور أسماء الرواد العظام لمشروع الإصلاح والتجديد الديني والسياسي والفكري، منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، والذي أجهض بسب عوامل (داخلية وخارجية) مختلفة، لكن الأمل لايزال معقودا على استئنافه من جديد، من قبل كوكبة من المصلحين والمفكرين المعاصرين، من بينهم سماحة الشيخ حسن الصفار، الذي يحتل منزلة معتبرة ومميزة بينهم.