حوار سلفي شيعي؟ لا شكراً
الحوار كمفهوم في قاموس التاريخ الاجتماعي أقرب إلي القيم العليا منه إلي المعنى الجميل والحسن، حتى أغلظ المتشددين لا يرفض الحوار من حيث المبدأ لكن ما إن تضع النقاط على الحروف وتسمى الأشياء بأسمائها حتى يتجلى المستور، كأن يضاف للحوار كلمة ترمز لدين أو لأيديولوجيا محددة، ما إن تقول حوار أديان، حوار مذاهب أو حوار فرقاء السياسية، حتى تدب الفوضى وتبدأ حفلة إطلاق المواقف كما تطلق المدافع الرشاشة نيرانها في حالة الحروب.
لنأخذ الحوار السلفي الشيعي في المملكة الذي انطلق سنة 2003م كنموذج نبني عليه هذا المقال، من المعروف بأن التيار السلفي والتيار الشيعي في حالة تضاد وتصارع شبه دائم، مبرر أحياناً وغير مبرر أحياناً كثيرة، يتخلل الحوار بين الطرفين عملية مد وجزر ترتفع حيناً الأصوات الداعية للحوار وتنخفض أحياناً أخرى.
ما أود التطرق إليه في هذا المقال هو ليس حكماً شخصياً بقدر ما هو أراء الأطراف السلفية والشيعية في الحوار القائم بجميع تمثلاتها سواء كانت.
- المُشاركة منها في الحوار.
- الرافضة له.
- أو كانت رأياً أخر.
هناك عدة ألوان يمثل كل لون رأياً منفرداً على الجانبين السلفي والشيعي ولكل لون رأي متخلف أو مخالف للون الآخر، البعض يقدم تفسيرات وتحليلات عقلية علمية يبني عليها نظرته للحوار والبعض يكتفي بطيف من الروايات التي تحتاج للفحص والتدقيق.
اللون الأول ينظر للحوار من منظار مذهبي عقدي وهو لا يرى ضرورة في الحوار السلفي الشيعي كما لا يرى بوادر أمل للاندماج ضمن النسيج الوطني مفضلين الانكفاء على التواصل للوصول للتعايش ضمن إطار وطني متكافئ، داعماً بحالة القطيعة للأعلى، يصف أنصار هذا اللون على الجانب الشيعي السلفيين "بالنواصب" يتمثل هذا اللون بالخط التقليدي، أنصار اللون السلفي المتشدد يصفون أصحاب المذهب الشيعي "بالرافضة"، كُتب كلا الطرفين بها من الروايات والتراث ما يبرر القطيعة والعداء وما يُدعم نظرته،وهما مذهبان متمايزان متوازيان واختلافهما اختلاف دائم بحسب نظرة كل طرف، كل طرف يرى الجنة حصراً لأنصاره وأن النار مثوى لمعاديه لهذا يتخذ من القطيعة وعدم التواصل خياراً أبدياً معتمداً على الإيمان بملكية مفاتيح الجنة، أنصار هذا اللون من الطائفة الشيعية غير منشغلين بقضايا الحوار والانفتاح على الآخر على الأغلب ومكتفين بحراسة الطقسية الشيعية وليس للشأن العام مكان في ما عدا الطقوس الدينية تسودهم حالة من خوف المساس السلفي بهذه الشعائر لهذا يُعتبر أي حوار مع السلفي هو انسلاخ عن الأصول ومدخل للتنازل عن ثوابت عقائدية وطقسية، باتت كلمة حوار مرادفة للتنازل في قواميسهم.
اللون السلفي أوصد باب الحوار مع الشيعة عبر فتاوى التكفير والزندقة ويعتبر تغيير قناعة الشيعة العقدية مدخل للحوار، بدون التوبة والرجوع للمذهب السلفي لا إمكانية للتعايش مع للشيعة خارج إطار الاعتراف بخطأ المعتقد، تبرز قوة هذا اللون السلفي في انخراطه ضمن المؤسسة الدينية الرسمية وشبه الرسمية التي جعلته أكثر سطوةً في آراءه وأكثر جراءةً في التطاول على الشيعة وجعل من الفتوى سلاح ردع يمكن استخدامه حال لزم الأمر ضد الفكر المختلف وهي بالمناسبة ممارسة فعلية قائمة ليس مع الشيعة فقط ولكن حتى مع التيارات السنية من غير السلف وهم الوحيدون القادرون على تحويل الفتوى حيز التطبيق وهم الوحيدون الذين وصلوا بالفتوى ضد المختلف حد التكفير حتى قام الشيخ ناصر العمر عام 2003 بإطلاق دعوة تصفية ضد شيعة المملكة فحواها " يجب تصفية المواطنون الشيعة في السعودية بشكل منظم عبر فصلهم من الأعمال الحكومية وإجبارهم على اعتناق المذهب السلفي وهدم مساجدهم وحسينياتهم وصولا لإيداعهم المعتقلات الجماعية".
اللون الثاني ينظر للحوار من منظار أخلاقي أجتماعي، يمثله على الجانب الشيعي سماحة الشيخ حسن الصفار والمفكر محمد المحفوظ والاثنان مؤمنان بوجوب الحوار السلفي الشيعي ويأملان بمد جسور التواصل والحوار مع الآخر لبناء تعايش أمتن ولوحدة وطنية أعمق، بذل الشيخ الصفار مع السلفيين ولا زال يبذل الكثير في مسار التواصل والحوار وقام بجولات مكوكية داخل المملكة وخارجها سعياً في إيجاد شريك حقيقي يمكن معه الوصول لتفاهم ملزم للطرفين إلا انه في كل مرة يصطدم بجبل الشروط السلفية المتشددة وقد تمثل دور المشاركة في الجانب السلفي على بعض الوجوه السلفية المتجددة كالشيخ سلمان العودة والدكتور عائض القرني في الجانب السلفي ليس هناك منفتح حقيقي هناك بعض العلماء المتأرجحين الرأي بين اللين حيناً والتشدد حيناً أخر ويُرجع البعض ذلك التراجع عن بعض التصريحات الرومانسية المهادنة للشيعة التي أدلوا بها في وقت سابق في حضرة المُضيف الشيعي بالخوف من إسقاط الجمهور لهم من على مسرح النفوذ الاجتماعي،الدكتور سلمان العودة زيارة سريعة للموقع الذي يشرف عليه " الإسلام اليوم " تكفى للتحقق من نظرته المتخبطة للحوار السلفي الشيعي، فحيناً هو مع الحوار ومشاركاً فاعلاً فيه وحيناً أخرى هو على النقيض من ذلك تماماً، أورد مثلاً على ذلك،سُئل الشيخ سلمان العودة عن الضابط الشرعي للحوار مع الرافضة في شبكة الانترنت ومواقع الحوار، أجاب الشيخ "بأن الحوار وسيلة للدعوة، والرافضة كغيرهم مادة للدعوة،كثير منهم يهتدون ويتخلون عن مذاهبهم الفاسدة"، يبدو الدكتور عائض القرني أكثر برغماتية من العودة وله تصريح شهير من الحوار مع الشيعة " نريد أن نقف على خطوط مشتركة لأننا في بلد واحد وفي سفينة واحدة وهي سفينة المعايشة شئنا أم أبينا، لن نستطيع أن نرمي بعضنا في البحر وبعضنا في الجبل وبعضنا في الدار وبعضنا في الشارع نحن جميعا بيننا أصول" أُثبت الشيخ الصفار مصداقية عالية وثقة واطمئنانا لدى جمهوره المتلقي لخطاب الحوار،حين خرج الصفار على قناة العربية مصرحاً بحرمة سب أو لعن رموز السنة كان حازم الموقف ثابت الخطى، ألا أن هذا الصوت المعتدل يعيش حالة غربة وسط شح الأصوات السلفية المعتدلة كما لا يستطيع إيقاف غزارة الأصوات الشيعية المتسائلة والمشككة في جدوائية الحوار في ظل عدم إيجاد صيغة تفاهم ونقاط لقاء ملموسة مما أوجد حالة من الإحباط واليأس وصل إليها المواطن الشيعي نتيجة لاستمرار حالة التمييز الطائفي ضده.
اللون الثالث سياسي النهج، يعتقد بعقم الحوار السلفي الشيعي بشكله الحالي وبضرورة تغيير المسار والخروج من شرنقة العقيدة الدينية المعقد للانتقال للحوار على أساس المصالح السياسية الأقل أدلجةً يرى هذا التيار في الحوار السياسي مساراً مباشراً لحل المشكل السلفي الشيعي الدائر كما يعتقد بأن المشاركة السياسية العادلة وتوازن التنمية وتوزيع الوارد هي المدخل للانسجام والاندماج الوطني وأن تاريخ الأزمة السلفية الشيعية يعج بالتناحر المذهبي لهذا كل جهد يبذل في هذا الاتجاه هو مضيعه للوقت وصهر للقضية، يقول الدكتور حمزة الحسن وهو أبرز منظري هذا الاتجاه نحن لا نرفض الحوار مع السلفيين ولا مع غيرهم، هم من يرفض التعايش مع الشيعة،نحن مع الحوار بشرط أن نعرف هدف الحوار ومقدار الجهد الذي سيبذل،والثمرة المتوقعة، نحن نعتقد والكلام لحمزة أن الجهد يمكن أن يبذل بصورة أقل وبثمرة أكبر مع جهات دينية أخرى في السعودية، نعتقد وهذا هو الأهم أن الحوار مع السلفيين ليس حلاً سياسياً لمشكلة الشيعة ويعلل لذلك بالقول "مقاربة حل مشكل الشيعة عبر البوابة المذهبية خاطئ، والصحيح هو البوابة السياسية والمطالب السياسية. لأن مشكلة الشيعة ليست طائفية وإن اتخذت ذلك مظهراً بل هي سياسية في العمق.
والاندماج الثقافي/الديني مستحيل وتحقيق تقارب ملموس فيه شبه مستحيل أيضاً" يقف على الجانب السلفي من ينظر للمشكلة بمنظار سياسي أيضاً لا يبعد كثيراً عن المنظار الشيعي ولكن في اتجاه معاكس، يرى في ترويج الشيعة للحوار محاولة من الشيعة للرقص فوق حبال الحوار والوحدة الوطنية لعبة مكشوفة لتحقيق مكاسب سياسية،هذا اللون يرفض القبول بالشيعة كشريك في الوطن تحت ذرائع مذهبية لأغراض سياسية ويرى أي مكسب للغير شيعياً كان أو حتى سنياً من غير التيار السلفي إنقاص لملكية ونفوذ اجتماعي.
بعد التعرف على مختلف الآراء في الحوار نخلص للتالي:
فلسفة الحوار في المملكة حديثة النشأة وتعتبر في مرحلة التكوين حيث تعتمد هذه المرحلة على ركنان أساسيان هما الانفتاح والتواصل، يتبنى فيها نخبة من العلماء والمفكرين والمثقفين تبيئة مفهوم الحوار وسط أبناء المجتمع، ألا أن مرحلة التكوين مرحلة لا تصل حد المصاهرة ولا تؤسس هيكل تعايش قوي مقارنة بحداثة الحوار كفلسفة وبالمقارنة مع تاريخ الصراع السلفي الشيعي.لذا لا يمكن الجزم بنتائج الحوار ولا أحد يستطيع إثبات نجاح التجربة الحوارية من عدمه في المملكة.
من معوقات تقدم الحوار التنشئة الفكرية لدى التيارين، حيث لا تزال دونما تغيير ففي الجانب الشيعي لا يزال الخطاب الموروث منبرياً هو المشرب الأكثر رواجاً والناسج الأكبر لبناء الخلفية التاريخية للصراع،وهو خطاب أقل ما يقال عنه حاد في الحديث عن الآخر،قليل هم العلماء الذين سعوا لتحديث جاد وفعال في أعماق منشأ الخلاف. أما على الجانب السلفي وهو القابض على مناهج التربية الإسلامية ومسير البرامج الدينية على القنوات الرسمية بمختلف فئاتها فلازال يمارس الإقصاء بحق الشيعة ويؤسس لحالة نفور من المعتقدات الشيعية مستفيد من أحادية وسائل التعبير، لذا تم التحذير من المساس بباب الاعتقاد المذهبي رغم وحدة الأصول العقدية لن نرجسية جمهور الطرفين لا تسمح بكنس الموروث من الروايات الملفقة عبر تاريخ الصارع حتى التي أكتشف العلماء زيفها وبطلان منطقها تعامل معها العلماء بحذر شديد خوفاً من غضبة العامة، وهناك من العلماء من تعرض لحملة تشويه وتصفية لمجرد القيام بتدقيق ومراجعة بعض القضايا التاريخية. إذن الخطاب المرسل للمتلقي والمستقبل جعل ذاكرة العقل الباطن ترسم صورة طائفية قاتمة مكنة ذلك العقل من رسم كل السلف كما كل الشيعة على أنهما قالب واحد حيث أستطاع السلف وهم الأقوى نفوذا من ترجمة خطاب التحريض لعادة متجسدة تحولت مرور الوقت لأفعال إيذاء وممارسة عداء.
في النزاعات الطائفية ليس هناك ربح أو خاسرة هناك خسارة فقط، الصراع الطائفي ليس مشتعل على الدوام كما يحاول أن يهيئ لنا بل متقطع بحسب تزاحم المصالح لهذا يجب المواصلة في خط الحوار حتى مع ضعف النتائج، حفاظاً على السلم الأهلي ووصولاُ لأفول حالة الطائفية القائمة كما يجب العمل على فصل المسار الأخلاقي الاجتماعي عن المسار السياسي رغم انصهارهما في الوقت الحالي وذلك عبر تحديد نوعية المسار وتحدي النقاط التي يدور الحوار في فلكها والية العمل على تطبيقها وخلفية منتسبين كل مسار ورفع مستوى الشفافية أمام الجمهور وان كانت النقاط تلامس عواطف الناس من شأن فرض فصل المسار الأخلاقي والاجتماعي عن المسار السياسي أن لا يؤثر تموج الحراك السياسي على بقية المسارات سلباً، مأسسة العمل الحقوقي بشكل أكبر وصولاً لسن قوانين تجرم الممارسات الطائفية وإيجاد إلية عمل للتطبيق تلك التشريعات.
حينها لن نسمع من يردد " حوار سلفي شيعي؟ لا شكراً".