في القطيف «2»
لعله أمر مألوف للكثيرين منا أن تمتد أرجلنا مسافات قصوى لزيارة جهات نائية من العالم بعيدة عنا كل البعد، وأن نغفل زيارة أماكن قريبة في جوارنا فلا نتذكرها بزيارة حتى وإن كانت خاطفة. لذلك فإني لما تلقيت الدعوة لزيارة القطيف وجدت في تلبيتها سببا يحفزني للذهاب، وحسنا فعلت، فقد كانت الزيارة بالنسبة لي تعليمية تثقيفية إلى حد كبير، فهناك أمور كثيرة كنت أجهلها عن القطيف أو على الأقل كانت معرفتي بها ناقصة أو خاطئة، فجاءت تلك الزيارة لتضيف وتكمل وتصحح ما هو في حاجة إلى شيء من ذلك.
لفت نظري أول ما لفته حماسة أهل القطيف وتوقدهم في العمل من أجل المجتمع والمصلحة العامة، يتضح ذلك في ازدهار العمل الخيري والتطوعي في ما بينهم، فهناك عشرات المراكز والمنتديات الخاصة بالخدمات الاجتماعية والتثقيفية والفنية مثل (مركز البيت السعيد) و (مركز الخط الثقافي) و (مركز الإبداع الفني) ومثل (منتدى نون الأدبي) و (منتدى أصدقاء القلم) و (منتدى نور) و (منتدى غراس) وغيرها، وهي في أغلبها تهدف إلى نشر الوعي والمعرفة بين أبناء القطيف، كما أنها جميعها تقوم على التبرعات الأهلية والعمل التطوعي.
والأمر الآخر الذي لفت نظري هو ما لمسته لدى المرأة القطيفية من وعي واهتمام بالشأن العام وإقبال على العمل الاجتماعي، فالقطيف يحق لها أن تفخر بوجود شخصيات نسائية مميزة تقوم بأعمال تطوعية نافعة للمدينة في مجال الخدمة الاجتماعية مثل السيدات: نهى فريد وغالية المحروس وهدى الناصر وفوزية الهاني وامتثال أبو السعود، وسلوى السيف وغادة السيف، وغيرهن ممن لا تحضرني أسماؤهن الآن، ومعهن عدد كبير من المثقفات والفنانات التشكيليات اللاتي التقينا بهن وأطلعننا على شيء من أعمالهن الإبداعية والفنية الجميلة. كذلك من الأشياء التي لفتت نظري إضفاء لقب «عالمة» على إحدى النساء القطيفيات المبرزات في العلوم الدينية «أم عباس النمر» وهي سيدة فاضلة تلقت تعليمها الديني العالي في بعض الجامعات الإسلامية ولها عدد من المؤلفات في مجال تخصصها، وقد استوقفني تلقيبها بالعالمة وإثبات اللقب على كتبها، لأنه لم يسبق لي أن سمعت هذا اللقب يمنح لمواطنة في مجال العلوم الدينية أو لأي امرأة عربية معاصرة، حيث ما زال هذا اللقب محصورا في الرجال وحدهم.
كذلك كانت لنا لقاءات غنية بثمارها الفكرية مع عدد من علماء القطيف ومفكريها المبرزين مثل الشيخ حسن الصفار ود. توفيق السيف ود. جعفر الشايب عضو جمعية حقوق الإنسان، والشاعر والمفكر القطيفي السيد حسن العوامي، والشيخ حسين البيات المشرف على مركز الخط الثقافي لتنمية مهارات المرأة، والشيخ صالح محمد آل ابراهيم المشرف على مركز البيت السعيد للتوجيه الأسري، والناشط الاجتماعي على الرزوق، والفنان التشكيلي عبد العظيم الضامن المشرف على مركز إبداع للأطفال الموهوبين في الفنون التشكيلية. لقد استطاع القطيفيون بما هم عليه من ذكاء ولطف وكرم خلق، أن يجعلوا زيارتنا مدينتهم ممتعة ونافعة، فشكرا جزيلا خالصا.