في لقاء خاص مع الوحدة الشيخ الصفار:
الحرب في العراق ليست حربا مذهبية أو طائفية... وإنما هي صراع سياسي على الحصص والأدوار...
الشيخ حسن الصفار أحد رجال الدين الشيعة في المملكة العربية السعودية خلال مشاركته في المؤتمر العشرون للوحدة الإسلامية بطهران كانت لنا فرصة اللقاء معه.
العالم الإسلامي يمر في هذه المرحلة بمنعطف خطير وحساس وتحول هام. الشعور بضرورة السيادة والاستقلال تسود اليوم أوساط الأمة الإسلامية. الشعور بالتحدي الكبير من قبل الهيمنة الأجنبية أيضاً تدفع المسلمين من أجل مواجهة هذا التحدي. وفي الوقت نفسه اتسعت رقعة النخبة الواعية والمثقفة. الهيمنة الأجنبية، قد انتقلت من كونها هيمنة سياسية واقتصادية إلى هيمنة عسكرية واضحة. كالتدخل الموجود في أفغانستان والتدخل الأمريكي والبريطاني في العراق، وتهديدهم لبقية البلدان الإسلامية بالتدخل من خلال إشهار سلاح المؤسسات الدولية، كمجلس الأمن والأمم المتحدة، وما شابه من المؤسسات التي أصبحت أداة طيعةً بيد الأمريكيين. هناك الآن مواجهة بين أبناء هذه الأمة وبين الهيمنة الأجنبية.
تعترض مؤتمرات التوحيد والتقريب عقبتين أساسيتين، العقبة الأولى هي عقبة التمييز الذي تعتمده الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي بين مواطنيها. حتى الآن لم يتحقق مفهوم المواطنة في الكثير من البلدان الإسلامية، وإنما يتعاملون مع المواطنين بالتمييز، يصنفونهم حسب قومياتهم وأعراقهم ومذاهبهم. فتكون هناك فئة مميزة تعتبر مواطنين من الدرجة الأولى وفئة أخرى تعتبر مواطنين من الدرجة الثانية. ما دامت حالة التمييز هذه قائمة وموجودة بين المواطنين في بعض الدول الإسلامية، فإن ذلك لا يعطي التوحيد والتقريب مصداقية.
العقبة الثانية تتمثل في إنتاج الثقافة التعبوية التحريضية في أوساط أتباع كل مذهب تجاه أتباع المذهب الآخر. هذه الثقافة التي تنتجها المؤسسة الدينية... ينتجها علماء الدين والخطباء... هذه ثقافة لا تساعد التقريب، وإنما توغر صدور بعض المسلمين على بعضهم، كما نلاحظ في بعض الفتاوى، وبعض خطب الجمعة وعلى المنابر، هذه الثقافة التعبوية تشكل عقبة أمام جهود التقريب والتوحيد، ولكن مع ذلك أنا اعتقد أن هذه المؤتمرات وسّعت رقعة الوعي بأهمية الوحدة وأوجدت أجواء من التواصل والتعارف بين شخصيات من مختلف العالم الإسلامي، ولو لم تكن هذه المؤتمرات لكان الوضع أسوأ.
تحديث الخطاب الديني، يتطلب تحديث عقليات المنتجين للخطاب الديني. وهذا يقودنا للحديث عن أوضاع الحوزات العلمية والجامعات، والمعاهد الشرعية التي تخرج القضاة والدعاة والمبلغين. المناهج الدراسية في الحوزات والمعاهد الدينية تحتاج إلى الكثير من التطوير، بحيث تعيد الإسلام إلى أصالته وتتجاوز تراكمات الخلافات والصراعات المذهبية، وتتجاوز عقلية الأسر لآراء السلف والعلماء الماضين، وأيضاً أن يكون في هذه المناهج انفتاح على الفكر البشري، فليس كل ما أنتجه البشر في المجتمعات الأخرى باطل وكفر، وإنما فيه ما هو مفيد وعلينا أن نستفيد منه، وكان رسول الله يقول: «الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أين وجدها».
أصبح الإعلام ساحة تجارية وميداناً سياسياً. ففي المجال الأول هناك قنوات ومؤسسات تستفيد من أجل الحصول على الدعم المالي والاقتصادي، وبالتالي فإنهم يخدمون مخططات بعض القوى والأطراف التي ليس من صالحها السعي لتوحيد الأمة.
من ناحية ثانية، هناك وسائل إعلامية سياسية، هي أداة لتنفيذ سياسات معينة، تنفيذ سياسات الصراعات الإقليمية، وسياسات المحاور، وسياسات الاستجابة للتوجيهات الأجنبية. ولكن بحمد الله هناك الآن بعض الوسائل الإعلامية التي نأمل أن تقوم بدور هام في نشر ثقافة الوحدة والتقريب وتوعية الأمة تجاه الأخطار المحدقة بها.
هناك سببان لهذه المواقف: السبب الأول يعود إلى أن هؤلاء لا زالوا يعيشون عقلية الصراع الطائفي، لا زالوا يعيشون حالة التعصب وحالة الكراهية للآخر المختلف معهم في المذهب والاتجاه الفكري، السبب الثاني هو الإرادات السياسية التي توجه هذه الأطراف، ومن الواضح أنه حتى على المستوى الديني هناك فتاوى تنطلق من خلفيات سياسية وبتوجيه سياسي. فحينما يكون الموقف مخالفاً للمقاومة الإسلامية في لبنان، فإن من الطبيعي أن تكون هناك فتاوى وخطابات وأصوات ضمن هذا الفلك التي هي الأخرى معارضة للمقاومة الإسلامية في لبنان.
الإعلام في العالم العربي في غالبه «رسمي». لا يوجد عندنا إعلام أهلي، حتى المؤسسات الإعلامية التي تبدو وكأنها أهلية، هي في الواقع خاضعة وتابعة لجهات سياسية، فليس عندنا في العالم العربي والإسلامي إعلام مستقل وإنما مجمل الإعلام عندنا هو إعلام رسمي.
هذه الأزمات ساعدت على خلق وعي في أوساط الأمة الإسلامية، ونحن رأينا من خلال حرب إسرائيل على لبنان، كيف انطلقت المظاهرات العارمة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. ونحن نرى الآن كيف أن اغلب الشعوب الإسلامية والرأي السائد فيها، يؤيد الموقف الإيراني في حقه في الحصول على التقنية النووية. هذه الأحداث ساعدت في إيجاد وعي ونضج إسلامي عند الناس. وأيضاً كشفت وعرّت شعارات الدول التي كانت تنادي بحقوق الإنسان.
الأمريكيون في وقت من الأوقات، كادت الساحة أن تنبهر بشعاراتهم، وبما كانوا يطرحونه من شعارات تدعو للديمقراطية، والانفتاح والإصلاح السياسي. ولكن مع الأحداث التي حدثت تأكد لجميع الشعوب أنه لا مصداقية لهذه الأطروحات الأمريكية والغربية، وأن الهدف هو الهيمنة وتأمين المطامع، وأنهم ليسوا جادين ولا صادقين في طرحهم لشعارات حقوق الإنسان والإصلاح السياسي في منطقة الشرق الأوسط.
في الواقع الحرب في العراق ليست حرباً مذهبية أو طائفية، وإنما هي صراع سياسي على الحصص وعلى الأدوار!! في ساحة كانت تعيش مرحلة شديدة من القمع والاستبداد في ظل نظام صدام حسين الزائل، وجاءت الإرادات الإقليمية المتصارعة في الساحة العراقية لتنتج هذه الأحداث المؤلمة في العراق. فبالتأكيد هي ليست حرباً مذهبية، ليست حرباً بين الشيعة والسنة، وإنما هي معارك وصراعات سياسية من أجل تقاسم الأدوار والحصص في النظام المزمع إقامته من جديد في الساحة العراقية.
ونحن نرى أن الوضع في العراق هو مظهر من مظاهر عجز هذه الأمة العربية والإسلامية عن التوافق فيما بين أطرافها وشرائحها. نفس الحالة التي تعيشها الأمة في دارفور في غرب السودان. ليست هناك حالة مذهبية، كلهم مسلمون، ستة ملايين مسلم يقيمون في دارفور وينتمون لمذهب واحد وهو المذهب المالكي، وفيهم عشرات الألوف من حفظة القرآن الكريم. ولكنه صراع بين قبائل جذور بعضها عربية وجذور بعضها افريقية. هذا الصراع استمر الآن أكثر من سبع سنوات. وكانت ضحاياه حسب ما تشير التقارير، أكثر من مئتي ألف قتيل، وعشرون ألف قرية أحرقت ودمّرت عن بكرة أبيها، ومليونا مشرد، وحالات من الاغتصاب، بحيث أن هناك إرادة من قبل الدول المستكبرة لاستغلال الأوضاع والتدخل الدولي فيها.
ونجد هذا الأمر في الصومال أيضاً، وقبل ذلك وجدناه في الجزائر، وفي أفغانستان، شعوب الأمة لم تنضج بعد، إلى حد التوافق فيما بينها، بحيث تتفق وتتعاون من أجل التنمية وبناء النظام السياسي العادل الذي يعطي لكل طرف حقه المناسب... إن ما يجري في العراق هو مظهر من مظاهر هذا العجز.
مما لا شك فيه هو أن الإرادة الأجنبية تستفيد من هذه الفرص، ولكن المحور هو الأرضية الموجودة في داخلنا. وهم يستفيدون من هذه الفرص ويبحثون عنها، ولكن كما يقول القرآن الكريم ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [سورة التوبة: الآية 47] المشكلة ليست في وجود إرادة معادية لنا، من الطبيعي أن تكون هذه الإرادة موجودة. المشكلة لماذا تتاح لهم الفرصة، لأن هناك ثغرات ينفذ الأعداء من خلالها. في المجتمع الواعي والشعب الواعي، لا يجد الأعداء طريقاً للنفوذ إليه.
وجود إيران في المنطقة هو وجود أصيل وعريق، ولا يستطيع أحد أن ينكر هذه الحقيقة، الصحيح والسليم هو أن تتعاون شعوب هذه المنطقة فيما بينها، وتقترب من بعضها البعض، فالتطمينات تكون من خلال العلاقات السليمة والطيبة. نحن مسرورون أن هناك علاقات طيبة بين حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين حكومة المملكة العربية السعودية وبين حكومات المنطقة. إن تطوير هذه العلاقات هو الذي يضع حداً لمحاولات الأعداء لإيجاد هوّة وفرقة وخلاف وشقاق بين هذه الأنظمة لصالح القوى الاستعمارية ومن أجل منع تطوير وتقدم دول هذه المنطقة.
الشيعة في المملكة العربية السعودية لديهم وعي وطني، وهم يدركون أنهم جزء من وطنهم، وهم يدركون أن مصلحتهم تكمن في التوافق والانسجام مع محيطهم، وفي العلاقة الحسنة بينهم وبين الحكومة السعودية. من الجيد أن الحكومة السعودية الآن منفتحة على الشيعة، وعلى بقية المواطنين من خلال الحوار الوطني، وقد حصلت هناك خطوات ايجابية لتحسين أوضاع الشيعة في المملكة العربية السعودية، وكلما أصبحت أوضاعهم أفضل وارتباطهم مع حكومتهم أوثق كان ذلك مانعاً من تأثير الأحداث الخارجية على واقعهم الوطني وعلى علاقتهم مع حكومتهم ومحيطهم.
المشكلة في المملكة، ليست مشكلة طائفة معينة، المشكلة تكمن في بعض الثغرات وبعض نقاط الضعف في الأوضاع العامة في المملكة العربية السعودية وهناك سعي لدى القيادة لمعالجتها، وكلما كانت هناك معالجة لمشكلة من المشاكل، يستفيد منها الشيعة وبقية المواطنين، ليست هناك حرية للتعبير عن الرأي خاصة بالشيعة، وإنما حينما اتسع هامش التعبير عن الرأي بالمملكة استفاد منها الشيعة، واستفاد منها غيرهم، وحينما تكونت هيئات لحقوق الإنسان كان ذلك مفيداً للشيعة ولغيرهم. أنا لا اعتقد أن هناك مشكلة خاصة بالشيعة بالمملكة، وإنما هي مشكلات عامة وهناك سعي من الدولة والمواطنين المخلصين لمعالجة هذه المشكلات بشكل عام لجميع المواطنين.