حوارات وحدوية
مستقبل وحدة الأمة الإسلامية
نص المقابلة التي أجراها مدير رابطة الحوار الديني مع سماحة الشيخ حسن الصفار وموضوع المقابلة دراسة التحديات التي تواجهها وحدة الأمة الإسلامية:
بسم الله الرحمن الرحيم
1/ ما هي أسباب تغيير خطاب بعض رموز التقريب والوحدة الإسلامية ألا تعتقدون أنّ هناك مشروعاً مدروساً من قبل أعداء وحدة الأمة تستهدف دعاة التعايش والاعتدال؟
اعتقد ان هناك سببين رئيسين لتغير خطاب بعض رموز التقريب والوحدة الإسلامية، السبب الأول: الأحداث السياسية التي أخذت صبغة طائفية، كأحداث العراق والتي أدّت إلى مجازر بشعة وتهجير متبادل وفرز طائفي في المواقف، وحملات إعلامية متقابلة، انعكست آثار كل ذلك على النفوس والأذهان في الساحة الإسلامية السنية والشيعية، واستغلها الأعداء لتعزيز مشاعر القلق والريب عند كل طرف تجاه الآخر. ولا شك ان للأعداء دوراً اساسياً في صنع تلك الفتنة الطائفية العمياء في العراق، وكان من أهدافهم استثمارها في تمزيق صفوف الأمة.
وكذلك الأمر في أحداث لبنان بعد حرب تموز حيث اشتد الصراع السياسي بين المعارضة والموالاة، وحصلت أحداث 17 أيار حين استخدم حزب الله سلاحه للدفاع عن وجوده، ومع ان معسكري الطرفين المعارضة والموالاة يضمان قوى من مختلف الطوائف، الا ان الجهات المغرضة أعطت لذلك الصراع صبغة طائفية ووظّفته في هذا الاتجاه.
ٍٍٍومع الأسف الشديد ان بعض القيادات الإسلامية تأثرت بأحداث العراق ولبنان تأثراً سلبياً، وفقدت توازنها، وخذلت قضية الوحدة والتقريب في الظرف العصيب، وفي موقع المحنة والشدة.
السبب الثاني: ضغوط اتجاهات التعصب والتشدد، والتي استفادت هي الأخرى من تداعيات الفتن الطائفية، وكثّفت نشاطها التعبوي، وخطابها التحريضي، وأحاطت رموز التقريب والوحدة بأجواء ضاغطة قاسية، عن طريق تضخيم بعض الأحداث، واختلاق الأخبار، وكتابة التقارير المغرضة، وصنع الشائعات، وتقديم التفسيرات المشبوهة والتحاليل الخاطئة، وجرى التركيز على بعض الرموز والشخصيات الإسلامية التي كان لها دور محمود في الدعوة إلى التقريب والوحدة، وتحقق ما كان هؤلاء المتشددون يعملون له مع شديد الأسف، حيث وقع بعض رموز الاعتدال في فخ مخططهم المعادي لمسيرة الوحدة والتقريب.
وفي الوقت الذي يحزننا فيه ما أصاب هذه الشخصيات من حالات الوهن والضعف، فاننا يجب ان نفخر بمواقف القيادات والشخصيات الواعية الصامدة، التي لم تفقد بصيرتها، ولم تضعف ارادتها، ولا تشوشت رؤيتها، أمام هذه العواصف الجارفة، ونأمل ان تتجاوز الأمة هذه المحنة والفتنة بأسرع وقت واقل قدر من الخسائر.
2/أعتقد أنّ هناك تقصيراً واضحاً من قبلنا هل نمتلك نحن في مقابل نشاطات هؤلاء مخططا شاملا أو استراتجية مدروسة للتقريب؟ وإذا دوّنا استراتجية هل عملنا بها؟ هل تابعناها عمليا وفي أرض الواقع أم تركناها حبراً على الأوراق؟
أوافقكم الرأي في وجود تقصير واضح تجاه قضية الوحدة والتقريب، ولمواجهة اتجاهات التفرقة والفتن الطائفية.
فليس هناك جرأة من قبل القيادات الدينية في الجانبين السني والشيعي لوضع خطة شاملة واعتماد إستراتيجية متكاملة، لتحقيق الوحدة والتقريب، وغالباً ما يُكتفى بالشعارات والخطابات والطروحات النظرية العامة.
إن وضع الإستراتيجية يستلزم شيئاً من النقد الذاتي، وتجاوز الممارسات التي تسبب الإثارة من قبل كل طرف للآخر، كما تستلزم توطين النفس على قبول وجود الرأي الآخر، والاعتراف بحقه في التعبير عن قناعاته وتجسيد حضوره.
وتقتضي الإستراتيجية توفير الآليات والإمكانيات الداعمة للتنفيذ والتطبيق، وهنا نجد النقص والتعويق ممن بيدهم أزمة الأمور من الجهات السياسية.
لقد وضعت الايسيسكو خطة جيدة على هذا الصعيد لكن التزام الحكومات بها بعيد المنال، ولا تزال حبراً على ورق. وان كانت تمثل خطوة متقدمة في هذه المسيرة.
3/ لديكم تجارب بارزة وموفقة في الدعوة إلى التعايش والحوار ووفقكم الله للحركة في هذا الدرب المبارك في مجتمع مثل المملكة العربية السعودي والذي يمكن القول أنّ العمل الوحدوي فيه كالمشي على الأشواك حافياً؟ ماذا حصلتم بعد هذا الجهاد الفكري والثقافي؟ نريد الإشارة إلى بعض نشاطاتكم الوحدوية والنتائج العملية التي وصلتم من خلالها.
بذلت النخبة الشيعية الواعية في السعودية جهوداً كبيرة لمواجهة حالة القطيعة والتنافر المذهبي، وكذلك التمييز الطائفي، وقد إنصبت جهودها في ثلاثة اتجاهات:
الأول: إنتاج خطاب وثقافة إسلامية وطنية تدعو إلى الوحدة والتقارب، وتطرح الآليات والبرامج المساعدة، وتحذر من أخطار التفرقة والتمييز الطائفي على استقرار الوطن ومصالح الأمة.
الثاني: المبادرة للتواصل مع مختلف القوى والجهات في المجتمع السعودي، ومنها الجهات الدينية السلفية.
الثالث: المتابعة مع القيادات السياسية في الحكومة لتحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين ومعالجة مشاكل التمييز الطائفي، وتقديم المشاريع والمقترحات لمسؤلي الدولة، من اجل خدمة هذا التوجه.
وبحمد الله فان ثقافة الوحدة والتقارب أصبحت متداولة في نطاق واسع قياساً إلى ندرتها في المرحلة السابقة، فهناك كتابات في الصحافة السعودية وفي وسائل الإعلام، تتبنى الدعوة إلى الوحدة وتناوئ حالة التفرقة والصراع المذهبي، وهناك منتديات تناقش هذه القضايا بشكل معلن وصريح.
طبعاً هناك جهات وأصوات عالية لا تزال تجتر إنتاج ثقافة التعبئة والتحريض المذهبي البغيض كما رأينا في البيان الذي اصدره اثنان وعشرون من المشايخ السلفيين قبل ستة أشهر تقريباً، لكن بيانات وكتابات كثيرة قد صدرت ونشرت من قبل السنة والشيعة ضد ما جاء في هذا البيان.
كما أن أبواب التواصل قد انفتحت والحمد لله بما يعزز الأمل بعلاقة أفضل بين مختلف الجهات، لان القطيعة والتباعد، تفسح المجال لسوء الظنون وقبول الإشاعات وشحن النفوس بالبغضاء، بينما التواصل يتيح فرص التعارف والاطلاع، ويزرع المحبة والثقة والاحترام المتبادل، ويهيئ للتعاون على البر والتقوى.
لقد أصبحت بعض المنتديات في الرياض وجدة وسائر المناطق تستضيف شخصيات من الشيعة، كما استقبلت منتديات ومجالس الشيعة في القطيف والاحساء عدداً من الشخصيات من أهل السنة والسلفيين.
اما على صعيد الدولة فرغم وجود تحسّن نسبي في معالجة بعض مشاكل التمييز الطائفي، الا أن كثيراً من القضايا لا تزال عالقة دون معالجة، وهناك بطؤ وتلكؤ في حلها ومعالجتها، مما يجعل ساحة المجتمع الشيعي معرضة لمشاعر الإحباط والاستياء.
4/ مبدئياً كيف دخلتم في الحوار مع السفلية؟ هل يقبل الحوار معكم من يكفّركم؟ أو يوجد سلفية معتدلة غير تكفيرية يمكن التفاهم معها على المشتركات؟
نعم وجدنا في السلفيين مساحة للاعتدال والقبول بالحوار مع الآخر، وليس كل المنتمين للمدرسة السلفية في قالب واحد، كما في كل المذاهب والتجمعات هناك متشددون وهناك معتدلون، مع تفاوت في نسبة مساحاتها.
كما ان دعوة الملك عبد الله للحوار الوطني شجعت الجهات المعتدلة من السلفيين.
ولا خيار لنا كمواطنين في بلد واحد الا الانفتاح على بعضنا ومراجعة مواقفنا تجاه بعضنا بعضا بما ينسجم مع مقاصد الشريعة ومصالح الوطن، خاصة ونحن نرى ما يجري في المناطق الأخرى من حولنا من اقتتال واحتراب تخسر فيه جميع الأطراف.
5/في النهاية ما هي ملامح مستقبل وحدة الأمة؟ في رأيكم هل يمكن أن تجتاز الأمة هذه العقبة؟ هل هناك آمال لولادة جديدة للوعي الإسلامي بعد هذا المخاض العسير والفتنة الهوجاء؟
يبدو لي ان مستقبل وحدة الأمة يرتبط إلى حد كبير بالتغيير السياسي والثقافي الذي تتطلع إليه الأمة.
والوحدة لا تتحقق في ظل الاستبداد السياسي، الذي يستفيد من الصراعات الداخلية لإشغال الناس ببعضهم، ولمنع توحدهم في المطالبة بحقهم في المشاركة والعدل.
كما لا تتحقق الوحدة مع سيادة الثقافة الأحادية التي ترفض الاعتراف بالتعددية المذهبية والفكرية، وتنكر حق الآخر في التعبير عن رأيه ووجوده، وتحترف التعبئة والتحريض ضد الآخر.
وهذا هو ما تعاني منه ثقافتنا السائدة مع الأسف الشديد، ولا ننسى أن للهيمنة الأجنبية دوراً اساساً في تكريس حالة الاستبداد السياسي والثقافي الذي تعيشه الأمة.
إن الامل بالله كبير في نهضة ابناء الأمة وصحوة جماهيرها، بما يدفع نحو انجاز تغيير سياسي ثقافي قد بدأت تتبلور ملامحه، وتتجلى بشائره، وذلك هو ما يعمر قلوبنا بالثقة والتفاؤل بمستقبل أفضل إنشاء الله.