حول بيان الـ 22: لنعالج قضايانا بفكر مستنير
تواترت أنباء ومتابعات حول بيان الـ22 الذي أعاد الجدل لساحتنا المحلية حول العلاقة بين المذاهب. فبعد أن بدأت بوادر الحوار وقبول بعض الاختلافات التي لا تمس جوهر الدين عادت من جديد تلك التوجهات التي تعيد التشرذم والانقسام والخلاف بين المسلمين.
وقد كان الشيخ محمد النجيمي صريحا حين أشار في، محاضرته التي ألقاها في منزل سماحة الشيخ حسن الصفار، إلى كون المدرسة السلفية من أكثر المدارس رفضا لتكفير المسلمين من أتباع المذاهب الأخرى، كما أوضح أن الموقعين على ذلك البيان لا يمثلون مرجعية حقيقية لأهل السنة مؤكدا أنه ليسى منهم أو معهم في ذلك الرأي.
يضاف إلى ذلك أن ما يشاع عن السلفيين بشأن التساهل في مسألة التكفير هو "كلام غير صحيح وتدحضه النصوص والدلائل".
وقد شدد الشيخ النجيمي على أن التكفير يعد خطا أحمر وفق المنهج السلفي الصحيح مستشهدا بحديث الرسول الكريم : "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو مسلم له ما لنا، وعليه ما علينا ".
إلا ان الواقع هو غير ذلك، والبيان ليسى نبتا شيطانيا، بل هو فرع من شجرة طالما غذت مثل هذا البيان الذي لن يكون الأخير. وعلينا أن نتعامل مع الواقع بكل صدقية وصفاء من أجل مواجهة الأصوات التي تشعل فتيل الفتنة التي لعن الرسول في حديثه الشريف من يشعلها.
من الحتمي إذن أن ننتبه لأهمية أن نتحرى الدقة في كتاباتنا وفي اجتهاداتنا،وعلينا أن نلزم جانب الحذر؛ لكي لانكون أداة تسهم في اذكاء الفتنة التي يسعى البعض لشيوعها. وعلينا أن ننجر للفتنة التي يسى هولاء وأمثالهم لجرنا اليها.
لأنه من غير المعقول أن يتجه العالم كله للتفاهم والتآزر وتقريب المسافات فيما نجد أن هولاء ينفخون الجمر تحت الرماد لإذكاء الفتنة بصورة بشعة.
وما يحدث حاليا من بعض الأصوات النشاز هو عدم تقدير للأمور، وهو ما استوجب وقفة موضوعية من العلماء والمثقفين والناشطين حيث رأوا أن بيان ال22ـ يعيد عقارب الساعة للوراء كما يفت في عضد الأمة التي ينتظر الأعداء أي ثغرة لها للنفاذ منها لخيرات البلد الآمن ومقدراته.
وينبغي أن ناخذ في الاعتبار ما قال به سماحة الشيخ حسن الصفار حين دعا الرموز السلفية المعتدلة في السعودية إلى التصدى للبيانات التكفيرية، وهذا يقربنا كثيرا من فكرة الحوار البناء على أرضية مشتركة من الثقة والتفاهم ؛ ذلك لأن "الشيعة في المملكة وغيرها من بلاد العالم مجروحون من بيان الـ 22عالما سعوديا وينبغي على رموز المنهج السلفي المعتدل أن يتبرأ علنا مما قالوا".
وفي ذات السياق ينبغي الانتباه إلى وجوب الحوار بين كافة المذاهب فهذا يعد أقصر الطرق حتى لو لم نتفق في كل شئ، وبذلك يمكن بالفعل محاصرة الأصوات المتطرفة كما حوصرت القاعدة سياسيا بعد أن تم التعامل معها بحزم وصلابة.
ولاشك ان هذا التوجه الهاديء والرصين مع قضية بمثل هذه الحساسية تؤكد من جديد ضرورة بناء صرح قوي داخل المملكة عماده الثقة والفهم المتبادل إضافة للتسامح الذي هو عنوان كل حضارة أصيلة، حيث تتمتن العلاقة بين الشيعة والسنة من خلال حس حضاري، ووعي وحدوي لا يبتغي سوى مصلحة الوطن والرغبة في ان يحتل مكانه المناسب تحت الشمس.
لقد تصاعدت الدعوة كي تفتح وسائل الإعلام الرسمية المحلية أمام المواطنين الشيعة لعرض وجهة نظرهم وفي المقابل يتوجب على السلفيين دراسة الفكر الشيعي من مصادره الأصلية للاطلاع على حقيقته وأبعاده.
ويمكن اعتبار ما قاله الدكتور توفيق السيف عن أهمية تناول القضايا بصورة واقعية بعيدة عن الرومانسية المتفائلة نقطة على جانب كبير من الأهمية، خاصة أنه دعا أيضا إلى الإعتراف بوجود مشاكل حقيقية في المملكة كسائر بلاد العالم مطالبا بترسيخ العدل كقيمة إنسانية، وحق للجميع بصفتهم بشرا.
إن مصلحة الأمة فوق كل اعتبار خاصة وأن المملكة تعد بحق قلب الإسلام، ومهبط الوحي ؛ فبها الأماكن المقدسة التي تهوى إليها أفئدة المسلمين كافة.
وفي رأيي ان بيان الـ22 رغم ما أثاره من قلق وارتياب ربما يدفعنا لنعالج قضايانا بعقل متفتح وفكر مستنير؛ فالتحولات التي اعترت العالم لم تعد تسمح بوجود أمم منقسمة أوضعيفة أو مشتتة بل تدفعنا عن اقتناع ووعي للتآزر والتساند في مواجهة كل من يرغب في شق وحدة الصف.
السنة والشيعة مذهبان لدين حنيف سكن في قلوب الملايين من البشر. وقد جاءت رسالة سيدنا محمد لتشمل الجزيرة العربية وكل الشعوب المسلمة بمظلة الحق والعدل والخير حتى يرث الله الأرض ومن عليها. فهل نتفق على ما يجعلنا أقوياء في مواجهة الأخطار الجسيمة التي تحيط بنا؟!