صلاة الجمعة... عندنا وعندهم!
الخبر المثير هذا الأسبوع من القطيف، على الجانب الآخر من الجسر الذي يربطنا بالشقيقة السعودية الكبرى. ففي يوم الجمعة الماضي، أدّى وفدٌ من السنّة صلاة الجمعة مع إخوانهم الشيعة في أحد مساجد القطيف، بإمامة الشيخ حسن الصفار.
الوفد تكوّن من ست شخصيات، وترأسه الشيخ مخلف بن دهام الشمري، ولقي حفاوة بالغة من قبل المصلين، واعتبر الحدث بادرةً غير مسبوقة. وهناك من اعتبره رداً عملياً على بيان يكفّر الشيعة، أصدره 22 عالماً سلفياً استبقوا به مؤتمر الحوار في مكة المكرمة، الذي دعا إليه الملك عبدالله لرأب الصدع في العالم الإسلامي، وحظي بمباركةٍ واضحةٍ من إيران، بدليل وفدها المكوّن من خمسين شخصاً، برئاسة رفسنجاني.
عشرات المصلين حرصوا على مصافحة الشمري ومرافقيه، والتقطوا الصور معهم، بينما وزّع نجله الأصغر الزهور على المصلين، مع عبارات مكتوبة: «إلى إخواننا في الإسلام... محبة وسلام»، وخصّ الشمري الشيخ الصفار بباقة زهور خاصة، وطبع على رأسه قبلة.
الشمري اعتمر لفافة تمثّل العلم السعودي، تعبيراً عن الوحدة الوطنية، واقترح أن تستكمل هذه الخطوة بصلاة مواطنيه الشيعة في أحد مساجد السنّة بمدينة الخُبر، وهو الخبَر الذي نطمح أن يصلنا قريباً مع صور تبادل الأحضان وإهداء الورود.
الشمري لن يتحوّل إلى «مستبصر شيعي»، والصفّار لن يتحوّل إلى «مستبصر سنّي»، فلكلٍّ مذهبه ومعتقداته التي يراها طريقه إلى الله، وليس هناك فرقةٌ ناجيةٌ إلاّ بالإيمان والعمل الصالح، والحكم لله يوم يقوم الأشهاد.
هذا ما يجري عندهم... أما عندنا فهناك من يعتبر نفسه وصياً على الجنة والنار، ولا يعتبر الآخر أصلاً ضمن دائرة الإيمان، فلذلك يؤمن بضرورة إقصائه واستئصاله، وإذا لم يتمكّن من قطع رقبته، فعليه أن يتعمّد إيذاءه وتطفيشه، وتضييق سبل العيش عليه، أو البصق في وجهه وذلك أضعف الإيمان!
عندنا أصبح أحد المتطرفين الشاذين، يدعو فوق منبر الجمعة بهلاك مواطنيه، وأن يرى فيهم يوماً أسود كما هو الحال مع اليهود والنصارى، وتمر هذه «الفضيحة» من دون أن يسائله أحدٌ عنها، حتى مدير الأوقاف لم يرَ فيها ولا في عشراتٍ أمثالها ما يمس الوحدة الوطنية أو يهدّد نسيج المجتمع!
هذا التساهل الذي يشي بوجود شبهة التواطؤ، هو ما يشجّع المسيء إلى مزيد من التمادي في الغي، والإمعان في الإساءة إلى الناس ومعتقداتهم وآرائهم وعلمائهم. وينبري بعض التبريريين إلى الدفاع عنه باسم «حرية التعبير»، ويتجاهلون انها لعبٌ بالنار والسلم الأهلي، ودفعٌ للبلد على طريق الهاوية.
على الطرف الآخر من الجسر... وصل ببعضهم النضج إلى الصلاة الموحّدة وتوزيع باقات الورود، ونحن وصلت بنا السفاهة إلى تعمّد تسقيط الآخر والإساءة إليه والتمادي في تحقيره، ومحاولة سحقه وإنهائه من الوجود إن أمكن... والدعاء عليه في صلاة الجمعة بيوم أسود لا يبقي ولا يذر.
اللهم ارحم الشيخين الشمري والصفار، وقرّب اليوم الذي تشهد فيه مساجدنا تبادل باقات الورود... بدل تبادل اللعنات واستمطار غضب الأرض والسماء!