القاسم وعقبات مشروع الصفار
أكد الدكتور عبد العزيز قاسم في مطلع مقاله "مشروع الصفار: إلى أين وصل؟" على وعيه التام، على حد وصفه، بأسباب النبرة التشاؤمية التي أبداها الشيخ حسن الصفار حيال مشروع التقارب بين السنة والشيعة في المملكة، وكان بودي أن ينعكس هذا الوعي "المزعوم" على تشخيصه للأسباب والعقبات الحقيقية التي تحول دون بلوغ هذا المشروع لأهدافه.
إن تحميل مسؤولية تعثر مشروع التقارب بالتساوي على الطرف الشيعي والسلفي يعد مجانبة للموضوعية والإنصاف، إذ لم يكن التقارب بين الشيعة والسنة مشكلة في يوم من الأيام، ولكن الوصول إلى أرضية تفاهم واحترام بين الشيعة والسلفيين كان وسيبقى معضلة الزمان. فدونك دعاة التقارب من سنةً وشيعةً.. هل وجدت بينهم سلفيا واحداً؟
السلفية بطبيعتها قائمة على إلغاء الآخر فهي لا تقبل السني المختلف فضلا عن الشيعي "الرافضي" ما لم يذب قلبا وقالبا ضمن منظومتها الفكرية والعقدية. بالمقابل كان ولا زال الاحترام والانفتاح على جميع المذاهب الإسلامية ركيزة أساسية من ركائز الفكر الشيعي ومعلما من معالم مدرسة أهل البيت .
المشكلة ليست أزمة ثقة بين الطرفين كما ذهب الدكتور قاسم، بل المشكلة أن الطرف السلفي لا يرى نفسه معنيا بهذا التقارب كونه ظل الله على الأرض كما يعتقد.
لقد أراد الدكتور قاسم أن يحمل الطرف الشيعي قسما من مسؤولية تعثر مشروع التقارب حين قال " فضلا على أن مؤيدي المشروع في داخل البيت الشيعي المحلي بدأت رهاناتهم تتضاءل، بل وانقلب بعضهم عليه"، وهذا الكلام يفتقد إلى الدقة والموضوعية، فتعثر مشروع التقارب لم يؤد إلى تضاؤل رهانات المؤيدين له، بقدر ما عزز شكوك المعارضين لهذا المشروع من أساسه انطلاقا من عدم مبالاة السلفيين بدعوات التقارب الشيعية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك ثمة اختلاف بين نظرة الشيعة العامة لمشروع التقارب مع السنة على المستوى الإسلامي وبين النظرة الخاصة لشيعة السعودية من مشروع التقارب مع السلفيين على المستوى الداخلي. إذ يرى الشيعة أن التقارب بين المذاهب الإسلامية ينسجم مع توجيهات مدرسة أهل البيت ويصب في مصلحة الإسلام والمسلمين ويؤسس لجبهة إسلامية قوية قادرة على مواجهة التحديات التي تتعرض لها الأمة.
وفي المقابل ينظر شيعة السعودية إلى أن التقارب مع السلفيين تحديدا، هو المفتاح الرئيس لحل المشكلة الطائفية في المملكة ورهانات بعض الشيعة على مشروع التقارب لا يخرج عن إطار شعورهم بأن إغلاق هذا الملف كفيل بإنهاء معاناتهم المذهبية. وهذا ما يفسر تعالي أصوات المتذمرين من مشروع التقارب والحوار مع كل مشكلة أو حادثة طائفية تقع على أبناء الشيعة في المملكة، وبطبيعة الحال فإن جام غضبهم يصب على دعاة هذا التقارب.
قبل الحديث عن أي مشروع تقارب بين المذاهب وقبل أي دعوات حكومية للحوار بين مكونات الوطن، يجب أن تكون هناك قوانين وضوابط تحكم طبيعة التعامل بين أبناء المذاهب المختلفة تحت مظلة الوطن الواحد. قوانين تكفل حقوق جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية والقبلية والمناطقية.
إن إقرار هذه القوانين والعمل على تطبيقها هي مسؤولية حكومية صرفة، لا يجب التساهل في تنفيذها. كما أن التذرع بتصلب المؤسسة الدينية السلفية تجاه أي حلحلة للمشكل الطائفي لم تعد بالذريعة المقنعة، فالشواهد أثبتت أن الحكومة تمتلك القدرة على فرض القانون والإرادة الكافية لتطبيقه إن شاءت، كما أن باستطاعتها قلب البدعة إلى عرس وطني كما حدث مع إقرار الاحتفال باليوم الوطني، وما شرعنة الاستعانة بالجيوش الغربية في حرب تحرير الكويت إلا دليل على مدى هيمنة الحكومة المطلقة على المؤسسة الدينية السلفية والأمثلة في ذلك كثيرة.
مثل هذه الإرادة الحكومية لا نجدها حاضرة في التعاطي مع الملف الشيعي ونكاد لا نرى أي ضغط يذكر يمارس على المؤسسة الدينية من أجل إغلاق هذا الملف، وكأن المطلوب أن ينشغل الشيعة بالسلفية حتى يرث الله الأرض ومن عليها دون أن تحرك الحكومة ساكنا في ضبط التعاطي المذهبي بين الطرفين. فإلى يومنا هذا وبالرغم من تعاظم التحريض الطائفي ضد الشيعة، لا يوجد قانون واحد يجرّم ويعاقب من يحرض على الفتنة والطائفية في المملكة!
وعدنا الدكتور عبد العزيز قاسم بمقال قادم متمم لمقاله الحالي، وأتمنى على الدكتور وهو يحدد لنا كيفية الخروج من مأزق مشروع التقارب، أن يتحلى بالموضوعية والشجاعة في تحديده لأسباب هذا المأزق، فلا يمكن إغفال الدور الحكومي في تأزيم مشروع التقارب وزيادة الاحتقان الطائفي. فإذا ما سلمنا بأن معاناة الشيعة سببها التحريض الذي يمارسه السلفيون ضدهم، فما هو مبرر تناغم بعض الممارسات الحكومية مع هذا التحريض؟
هل يمكن تفسير دوافع الاعتقالات الواسعة الأخيرة للمواطنين الشيعة في الأحساء بتهمة ممارستهم لشعائرهم الدينية، إلى الدرجة التي شملت من يقوم بتوزيع الحلوى؟! وهل بالإمكان تبرير حرمان شيعة الدمام من مقبرة لدفن موتاهم إلى يومنا هذا؟! الأمثلة أكثر من أن يتسع لها المجال، وهي برأيي السبب الأبرز وراء تضاؤل رهانات مؤيدي مشروع التقارب لدى الشيعة.
لقد تبنت الحكومة مشروعا إصلاحيا شاملا وعليها السعي بجدية لإنجازه وعدم السماح لأي كان بوأده تحت مظلة مؤسساتها الرسمية، وذلك لا يكون إلا عبر تشكيل لجان رسمية تضم جميع أطياف الوطن، تحمل على عاتقها مسؤولية متابعة التوجيهات والتوصيات الكفيلة بإنجاز هذا المشروع الوطني.
أخيرا يمكنني الادعاء جازما بأن الشيعة لا يطالبون بأكثر من أن تكون الحكومة على مسافة واحدة من جميع مواطنيها، وأن لا تغلّب طرفا على الآخر إلا ضمن إطار القانون الذي يحفظ حقوق المواطنة للجميع دون تمييز. عندها فقط يمكن لمشروع الصفار أن يخطو قدما نحو أهدافه حتى وإن أبى السلفيون دعوات التقارب.