مشروع الصفار: إلى أين وصل؟
كنت أعي تماما ما كان يرمي إليه فضيلة الشيخ حسن الصفار، وهو يتحدث بنبرة تشاؤم وإحباط حيال مشروع التقارب بين طائفتي السنة والشيعة في مجتمعنا، وأنها لم تخط خطوات عملية حقيقية، وأن المشروع لا يزال يراوح مكانه.
فأمام نخبة كريمة مثقفة، دعاها الوجيه المعروف عبدالمقصود خوجه في دارته العامرة مساء الثلاثاء قبل الماضي، احتفاء بالشيخ الصفار، تطرق ضيفنا لمحاور عدة، علق عليها مجموعة من الحضور، واكتفيت كعادتي بالاستماع، وأنا أدرك حقيقة مأزق خطاب الشيخ الصفار الذي وصل إليه، فلم يك من المناسب إفساد تلك الأمسية الجميلة، بمصارحة ربما تكون مؤلمة وصادمة.
في رؤيتي الخاصة، وأنا المؤيد والحفي والمتابع لذياك المشروع، الذي طرحه الشيخ في مكاشفاتي معه، ومن ثم عبر لقاءات خاصة مع بعض الدعاة والوجهاء والمثقفين، أنه وإن كسر حاجزا نفسيا كبيرا، وخطا -عبر عقلانية الطرح وواقعيته- خطوات كبيرة في حينه، إلا أنه ظل يلوب في ذات المساحة والدائرة التي اكتسبها، بما أشار إليه في كلمته، ولم يتقدم خطوة واحدة جادة طيلة خمس سنوات، والسبب يرجع في تصوري الخاص إلى عوامل عدة، أبرزها أن الآخر الحقيقي المعني بالتقارب في مشروعه لا يزال مترددا، ومتشككا في أصل المشروع، راميا إياه بمبدأ التقية، والنخبة الكريمة التي حضرت تلك الأمسية، وغيرها من النخب الأخرى في مناطق المملكة والتي قصدها الشيخ الصفار، ليس ثمة إشكال معها أصلا، ولا تمثل- من جهة أخرى- ذلك الثقل والتأثير كي يراهن عليها في حلحلة مداميك الخلاف الطائفي، فضلا على أن مؤيدي المشروع في داخل البيت الشيعي المحلي بدأت رهاناتهم تتضاءل، بل وانقلب بعضهم عليه، وقرأنا في النت هجوما شديدا على فضيلة الشيخ الصفار من لداته ورصفائه ورفاقه بالأمس، ووصفه بما لا يليق. وأخيرا وليس آخرا، تلك العوامل السياسية في العراق ولبنان والبحرين والتي ألقت بظلالها السوداء الكثيفة، ورجحت أصوات المعارضين للتقارب في الطرفين.
مأزق مشروع الشيخ الصفار في دائرة مجتمعنا، هو انعكاس للمأزق في الدائرة الكبرى على مستوى الأمة، فشخصيتين باشرا هذا التقارب من عشرات السنين، وهما الشيخين العَلمَين يوسف القرضاوي، ومحمد حسين فضل الله، مصابان بالإحباط، وستقرؤون قريبا ما قاله فضل الله في مكاشفاته معي حيال هذا الأمر.
السياسة في الصميم من موضوع التقارب، وهاأنذا استشهد بعصر الرئيس خاتمي الذي كان مهموما بالتقارب، وبذل جهودا حقيقية لا للتبشير بمذهبه الشيعي في بلاد السنة،أو تبنى إعادة تصدير الثورة، بل كان يسعى سعيا مخلصا في سبيل إنجاح مشروع التقارب.
ويبقى السؤال الصريح الآن، كيف يتلمس دعاة التقارب خطوتهم الأولى للخروج من هذا المأزق، وهو ما سأحاول الإجابة عليه في مقالي القادم.