(الحسين في وجدان الأمة) للشيخ الصفار
(عاشوراء) ذكرى استشهاد الإمام الحسين والاحتفاء بها تجديد للعهد بقيمها، وحفظ هويتها للأجيال، ونقل رسائلها وصورها يتحملها جيل بعد جيل، سيما الخطباء الذين حملوا على عاتقهم نشر هذه القيم.
هذا ما يؤكد عليه الشيخ الصفار في مقدمة كتابه (الحسين في وجدان الأمة) والذي هو عبارة عن محاضرتين ألقاهما في محرم الحرام لعام 1428هـ.
يؤكد سماحته على أن عاشوراء يوم من أيام الله، ولذا يلزم التذكير به مصداقاً للآية الكريمة ﴿وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور﴾.
وفي بحثه عن معنى اليوم، وأيام الله، يقول: كل الأيام لله، ولكن نسبة بعضها لله يدل على تعظيمها وتشريفها، مستعرضاً رأي العلماء والمفسرين في تعريف أيام الله ومنها:
ـ أنها أيام انتصارات الأنبياء والمؤمنين على الطغاة المعاندين، أي أيام تحقق نصر الله.
ـ أنها أيام نزول غضب الله على الكافرين، أي أيام تحقق وتجلي قدرة الله.
ـ أنها أيام وقوع حدث مصيري يغير تاريخ أمة.
وهذه كلها تنطبق على يوم عاشوراء، لذا فالتذكير به أمر في غاية الأهمية.
ثم يشير سماحته إلى أن عاشوراء مصطلح إسلامي يقصد به يوم العاشر من المحرم، ولا يطلق على أي يوم عاشر من أي شهر، كما يشير إلى ذلك علماء اللغة، وعلماء مدرسة أهل البيت.
مؤكداً على أن إحياء الذكرى عرف اجتماعي، فأغلب الدول تحتفي بيوم استقلالها، أو بأي حدث كان فيه تحول مصيري، حتى المملكة العربية السعودية والتي تتبع النهج السلفي ـ الذي يحرم مثل هذه الاحتفالات ـ أصبحت تحتفي باليوم الوطني، وذلك لمَّا رأت الحاجة ماسة لترسيخ الهوية الوطنية في نفوس المواطنين.
ملفتاً إلى أن القرآن الكريم لم يُشر إلى كيفية معينة للتذكير بأيام الله حتى يرى البعض أن الاحتفال بشكل منتظم ومبرمج بأي مناسبة ـ تاريخية أو اجتماعية أو دينية ـ بدعة في الدين! مفنداً استشهادهم بحصول ممارسات خاطئة بأن هذا استدلال غير علمي ولا موضوعي، فهناك برامج دينية يتفق عليها الجميع وقد دخلها بعض الممارسات الخاطئة، فهل نمنعها؟ إن (الاستدلال على الجواز أو المنع بالأمور الجانبية خروج عن الاستدلال الفقهي).
عاشوراء يجب أن يحتفى به وأن يبقى حيا في وجدان الأمة، كيف لا وهو يوم احتفى به رسول الله قبل وقوعه، وبكى له، وهذا ما تؤكده الروايات الصحيحة في كتب الفريقين، كما أنه أمر يدعو له القرآن الكريم، ورسول الله وأهل بيته الكرام صلوات الله عليهم أجمعين، كما ورد عن أمير المؤمنين : كان رسول الله يخطبنا ويذكرنا بأيام الله.
ويرى سماحته ضرورة الاحتفاء بعاشوراء، والتذكير بأيام الله، لأن في ذلك ربط المجتمعات البشرية بتاريخها، والاستفادة من تجاربها، وحفظ هوية ذلك الحدث التاريخي، وتخليد أبطاله.
ثم يؤكد على أن عاشوراء تجلت فيه عظمتان:
ـ عظمة قائد المعركة الحسين بن علي ، مستشهداً بمكانة الحسين من رسول الله وأهل البيت والصحابة.
ـ وعظمة الواقعة، مشيراً إلى أنه ليس هناك حادثة وقضية توازي حادثة عاشوراء، وما حل بها من قتل سيد شباب أهل الجنة، وما تبعه من بشاعة الظلم الذي وقع على أهل البيت وانتهاك حرمات الله، جريمة أمطرت لأجلها السماء دما! ومما يدل على أهميتها اهتمام رسول الله بالحديث عنها، والتذكير بها قبل وقوعها.
ثم يرى أن تعاطي الأمة مع هذه الواقعة تبلور في مدرستين:
ـ مدرسة تتغاضى عن الحادثة، فهي تدين قتل الحسين، ولكن لا ترى داع للوقوف طويلاً عند هذه الحادثة. وأحياناً يحاولون تعويم المسألة وتلفيقها بالشيعة (أهل الكوفة) حتى قالوا: بأن الشيعة إنما يبكون كل عام بذكر مقتل الحسين تكفيراً لفعلتهم! مبرئين بذلك يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد!!
مؤكداً بأن هذه المدرسة يمكن عدها امتداداً لمدرسة السلطة الأموية، الذين اتخذوا هذا اليوم عيداً لهم لطمس الواقعة، وإخفاء جريمتهم النكراء، وانطلى ذلك الأمر على أجيال وأجيال، حتى يومنا هذا!
ـ مدرسة ثانية على العكس تماماً، تعطي الحادثة حقها من الاهتمام، وتصرّ على إحيائها، والتذكير بها، وهي مدرسة أهل البيت بدأ من الإمام زين العابدين والذي خُشي عليه من كثرة البكاء على مقتل أبيه وذكراه، وما حل بتلك الواقعة. وانتهاء بصاحب العصر والزمان، وكما هو مروي عنه: (فلأبكين عليك بدل الدموع دما). وعلى هذا سار شيعة أهل البيت من إحياء الذكرى وتعظيمها.
بعدها يؤكد الشيخ الصفار على ثلاثة دروس يرى أنها من أعمق أهداف رسالة عاشوراء وهي:
ـ الالتزام بالدين. فالحسين إنما جاهد لحفظ دين الله وبقائه.
ـ تحمل المسؤولية الاجتماعية. كما أشار الحسين إلى ذلك بقوله: (وأنا أحقّ من غيّر).
ـ مراعاة حقوق الناس. وهي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، ولذلك رفض الحسين أن يقتل معه رجل عليه دَين.
متوقفاً سماحته عند نقطة هامة في وضعنا الراهن، وهي الفتنة الطائفية خاصة في العراق، داعياً إلى تجاوزها، مؤكداً على أن ما يحصل من قتل بين المسلمين لا يمت بصلة للحالة المذهبية، فليس هناك من يقاتل من أجل عقيدته، وإنما من أجل وجوده كجماعة وطائفة، ومن أجل المحاصصة السياسية، كما يؤكد على ذلك القتال الحاصل في السودان أو الصومال أو فلسطين، فهؤلاء كلهم فصائل سنية.
كتاب يرسخ قيمة عاشوراء، ويعظم صاحبها، ويدعو إلى مواصلة المسيرة في إحياء هذه الذكرى والتذكير بها، والاستفادة من قيمها.
«لقراءة الكتاب اضغط هنا»