سماحة الشيخ الصفار يُحذّر من تصاعد وتيرة الانحرافات السلوكية والأخلاقية في المجتمع
حذّر سماحة الشيخ الصفار من تصاعد وتيرة الانحرافات في المجتمع، مؤكداً أن ذلك دليل فشل الجيل السابق في نقل القيم والمبادئ والأخلاق للجيل الجديد، وأشار إلى ضرورة أن يتّجه المهتمون من المجتمع بالجيل الجديد إلى خلق الأجواء التي تُساعد على تخطي هذه المرحلة الحرجة، ومن أهم العوامل المساعدة لذلك: البيئة الصالحة، والتربية والتعليم المناسبان، وعلاج التعارض بين القيم والمصالح.
وفي سياق آخر عالج سماحته موضوع الغريزة الجنسية حيث اعتبرها الامتحان الأشد خطورةً في حياة الإنسان، وهي تمثل نقطة حسّاسة جداً في طريق الالتزام بالقيم والمبادئ والأخلاق.
وقد أوضح سماحة الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة السادس من ذي القعدة لعام 1428هـ (16 نوفمبر 2007م)، أن كل جيل من الأجيال البشرية إنما ينشأ في أحضان الجيل السابق، ومن خلال ذلك تنتقل إليه الصفات والسمات والقيم والسلوكيات، مؤكداً أن انتقال القيم والأفكار والسلوكيات من جيل لآخر أكثر تعقيداً من انتقال الأمور الأخرى كاللغة وأساليب المعيشة. مضيفاً أن البشر بطبيعتهم المندفعة نحو الأهواء والشهوات يُعتبر من أكبر معوّقات الالتزام بالقيم والأخلاق. مؤكداً أنه ينبغي للمهتمّين بالجيل القادم أن يحرصوا على تحقيق هذا الهدف الأسمى وهو أن تتوفر لهذا الجيل المقوّمات التي تُساعده على اكتساب القيم والمبادئ التي نشأ فيها، وسار عليها الجيل السابق.
وأشار سماحة الشيخ الصفار إلى مجموعة من تلك العوامل، وهي:
أولاً- البيئة الصالحة، حيث أنها من ابرز المقوّمات لخلق جيل ملتزم بالقيم الإيمانية، وعلى العكس من ذلك البيئة الفاسدة.
ثانياً- التربية والتعليم المناسبان.
وفي هذا الجانب أكد سماحته على ضرورة أن تستجيب العملية التعليمية لتطورات العصر، لا أن تعيش في الزمن الماضي بينما الحياة تتقدم عليها بقرون، مشيراً إلى أنه توجد بعض الإشكالات على بعض المناهج في البلاد الإسلامية وخصوصاً المناهج الدينية إذ أنها قاصرةٌ عن استقطاب الجيل الجديد، وذلك لأنها تطرح المواضيع الدينية بنفس الأسلوب القديم، والذي لا يتناسب ومتغيرات العصر الحديث. مضيفاً: إن بعض هذه المناهج تطرح قضايا في العقيدة والفقه لا أساس لها من الوجود في عصرنا الحاضر.
ثالثاً- علاج التعارض بين القيم والمصالح، فالالتزام بالقيم لا يعني نفي المصالح، وبالعكس أيضاً اهتمام الإنسان بمصالحه الشخصية لا يعني أنه غير ملتزم. إضافةً إلى أن مصالح الناس تعددت، وهنا يلفت سماحة الشيخ النظر إلى ضرورة أن يكون هناك تيسير في الأحكام الشرعية من أجل أن يطمئن الجيل الصاعد، بالحفاظ على مصالحه التي يفرضها هذا العصر في إطار الإسلام.
وبعبارات ممزوجة بالألم يقول سماحة الشيخ الصفار: ينبغي لنا أن نعترف بأننا فشلنا في نقل أخلاقياتنا التي ندّعي التزامنا بها للجيل الجديد، مؤكداً أن هذه الحقيقة لا تحتاج إلى تدليل، فالظواهر الخارجية المتمثلة في الجرائم والسلوكيات المنحرفة خير دليلٍ عليها، وأشار إلى جانب من إحصائيات الأمن العام السعودي لعام 2006م، والتي تقول:
جرائم القتل بلغ عددها (15492) جريمة قتل، أي بمعدل (43) جريمة كل يوم.
السرقات بلغت (39608) جريمة سرقة، أي بمعدّل (110) جريمة كل يوم.
الجرائم الأخلاقية بلغت (11680) جريمة.
وقال سماحته مستنكراً ألا يدل ذلك على فشلنا في امتحان نقل القيم الصالحة للجيل القادم!
واختتم سماحته حديثه في الخطبة الأولى بلفت أنظار الآباء إلى أنه على كل أب لا يريد أن يرى ابنه مجرماً، ولا يريد أن يرى ابنته في فخ الانحراف، أن يُجسّد من خلال سلوكه العملي طريق الصلاح والالتزام بالقيم، فذلك مدعاةٌ لأن يلتزم أبناؤه وبناته بذات السلوك الذي يسير عليه. كما أن على الجميع التعاون من أجل خلق الأجواء الصالحة في المجتمع، لا أن يقتصر البعض على محيطه الخاص متجاهلاً المجتمع، فما يُصيب المجتمع قد يصل إلى بيت أي واحد في المجتمع.
وفي الخطبة الثانية عالج سماحة الشيخ الصفار موضوع الغريزة الجنسية حيث اعتبرها الامتحان الأشد خطورةً في حياة الإنسان، وهي تمثل نقطة حسّاسة جداً في طريق الالتزام بالقيم والمبادئ والأخلاق.
وأكد على أن الإنسان رغم وجود عدد كبير من الغرائز في شخصيته إلا أن الغريزة الجنسية تبقى هي الأكثر تأثيراً على سلوك الإنسان وتصرفاته، ولذا جعل الله تعالى بدء تكليف الإنسان عند انبثاق هذه الغريزة، ذلك لأن أكثر الذنوب التي قد يتعرض الإنسان لارتكابها، إنما تنطلق من هذه الغريزة.
وأضاف سماحته: إن الله تعالى خلق هذه الغريزة ليتم عبرها استمرار التناسل البشري، كما أنها وسيلة من وسائل استمتاع الإنسان، ووضع الله جل وعلا لذلك ضابطاً شرعياً يحكم التعامل مع هذه الغريزة.
من جانب آخر، يقول الشيخ الصفار: والغريزة الجنسية هي من الغرائز التي تتفاعل مع الأجواء الخارجية، فإذا كانت الأجواء الخارجية مثيرة لها، فمن الطبيعي أن تتحرك هذه الغريزة وتتفاعل. لذا أوجب الإسلام الحفاظ على عفة الأجواء العامة بتشريعه للأحكام التي تقود لذك، ومن ابرز تلك الأحكام الشرعية: (غض البصر)، يقول تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ (النور، 30، 31).
وأشار سماحة الشيخ الصفار إلى أن الممارسة الجنسية كان يُفترض في ممارستها الحياء، وذلك من طبيعة البشر، إلا أن الواقع الخارجي يُثبت عكس هذه الحقيقة، فمثلاً مواقع الإنترنت تضم عدداً ضخماً من المواقع الإباحية. كما أنه بات طبيعياً بيع الأفلام الإباحية في الأسواق. مؤكداً سماحته أن أجواء المجتمع أصبحت تُهيّج الغريزة الجنسية بمختلف الوسائل والطرق.
مضيفاً: إن الشرع الشريف يؤكد على ضرورة الابتعاد عن المقدمات التي تؤدي إلى الفساد، ومنها النظرة المحرّمة، يقول الرسول الأكرم : ((من ملئ عينيه من حرام، ملئ الله عينيه يوم القيامة من النار))، ويقول الإمام علي : ((العيون مصائد الشيطان))، ويقول : ((من غضّ طرفه، أراح قلبه))، وقال : ((نعم صارع الشهوات غض البصر)).
واختتم سماحة الشيخ الصفار الخطبة بمقطع من رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين يقول فيه: ((وحق فرجك أن تُحصّنه عن الزنا، وحفظه مما لا يحل لك، والاستعانة عليه بغض البصر، فإنه من أعون الأعوان، وضبطه إذا همّ بالجوع والظمأ، وكثرة ذكر الموتـ والتهديد لنفسك بالله، والتخويف لها به)).