مبادرة لانطلاق الحوار بين السلفيين والشيعة
الدعوة التي أطلقها سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، للحوار الإسلامي – الإسلامي، وخاصة بين السلفيين والشيعة، تشكل مبادرة هامة يجب أن يتفاعل معها ويستجيب لها كل من يحمل همّ وحدة الأمة، ويعي أخطار الفتنة الطائفية التي تحيط بها.
فقد اشتملت هذه المبادرة على عناصر وضوابط تضمن لها الجديّة والموضوعية والشفافية، بعيداً عن الطرح الإعلامي الشعاراتي، وبعيداً عن سيطرة حالة المجاملات والبروتوكولات، وعلى أساس الالتزام بمنطق الحوار العلمي، واعتماد لغة الصراحة والصدق، بالاحتكام إلى مرجعية الكتاب والسنة، وأخذ واقع الأمة ومصالحها بعين الاعتبار.
إن صدور هذه الدعوة من سماحة السيد فضل الله يعطيها مصداقية كبيرة، فهو فقيه مفكر، يتبنى خط الانفتاح ووحدة الأمة، منذ انطلاقة مشروعه الثقافي الاجتماعي قبل نصف قرن، ولم تتلوث صفحات حركته بأي موقف أو شعار طائفي، وهو من مؤسسي ورعاة الحركة والصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي، من خلال أفكاره التأصيلية، وأطروحاته التنظيرية، واحتضانه ودعمه للتوجهات الحركية العاملة، ومن خلال تصديه للقضايا الإسلامية الكبرى، كقضية فلسطين، والمقاومة الإسلامية في لبنان، ومقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق.
كما أنه يمثل مرجعية دينية مؤثرة في الوسط الشيعي، وخاصة في الأوساط الحركية، وشرائح الشباب، والجماهير الواعية.
واستقلاليته في آرائه الدينية، ومواقفه السياسية، أمر واضح للجميع، يكشف عن بصيرة وثقة، وشجاعة في مواجهة مختلف الضغوط.
من ناحية أخرى تأتي هذه الدعوة في وقت يدرك فيه الجميع خطورة الفتنة الطائفية، فتصريحات المسؤولين والحكام في المنطقة، والقيادات السياسية، وعلماء الدين، والمثقفين والكُتاب، كلها تحذر من الفتنة، وتدين الأحداث الطائفية التي تقع هنا وهناك، لكن مجرد التحذير والإدانة هو موقف سلبي لا يعالج المشكلة، ولا يقف أمام تصاعدها وتفاقمها، خاصة مع وجود مصلحة للقوى المعادية للأمة، في تأجيج الفتن لتمزيق الأمة، وإضعاف مقاومتها ، وإرباك ساحتها، واستنزاف طاقاتها وجهودها في الاحتراب الداخلي، ومع وجود قوى متطرفة داخل مختلف المذاهب من السنة والشيعة، تتحرك بقصد أو دون قصد ضمن مخطط الفتنة الطائفية.
من هنا أهيب بقيادات الأمة الواعية، وبالعلماء والدعاة الحريصين على مصلحة الإسلام، أن يتجاوبوا مع هذه الدعوة، وأن يسعى الجميع لترجمتها وتحويلها إلى مشروع فعلي، واخص بندائي هذا إخواني العلماء والدعاة في المدرسة السلفية، في المملكة العربية السعودية ودول الخليج، حيث يستهدف الأعداء النيل من استقرار هذه المنطقة، وتمزيق الوحدة الوطنية لمجتمعاتها.
وسبق لي أن وجهت دعوة مماثلة قبل ثلاث سنوات حين نشرت كتيباً تحت عنوان (نحو علاقة أفضل بين السلفيين والشيعة).
وتلقيت ردوداً ايجابية من عدد من العلماء والدعاة السلفيين، وحصلت مع بعضهم لقاءات طيبة، أرجو أن تشكل هذه المبادرة الجديدة لسماحة السيد فضل الله دافعاً ومحفزاً لحركة فعلية واسعة، تخدم مصلحة الأمة وأمن المنطقة ووحدة أوطانها.
وأحب أن أنبّه هنا، إلى أن هناك من يريد توظيف الأحداث السيئة التي حصلت في العراق، لخدمة مشروع الفتنة والاحتراب الطائفي، ولنقل شرره إلى المناطق الأخرى، حيث يعِدُّون ما حدث دليلاً على عدم جدوى شعارات الوحدة والتقارب، وعلى عقم محاولات الحوار والتفاهم، وتسعى هذه الجهات من خلال الترويج لهذه الفكرة، إلى إثارة المزيد من الشكوك والهواجس المتبادلة عند كل طرف تجاه الآخر، في مختلف المناطق، بينما على الواعين من علماء الأمة وأبنائها أن يجعلوا ما حدث في العراق دافعاً للإصرار على نهج الحوار والتقارب، وأن يأخذ الجميع العبرة والدرس، من أجل تحصين ساحاتهم ووقايتها من الانزلاق في طريق الفتنة، والوقوع في فخاخها. وقد اتضح للجميع أن ما يحصل في العراق ليس حرباً مذهبية، بل هو صراع سياسي تستخدم فيه الطائفية. وقد اضر بكل الشعب العراقي، ولم ينتصر ولن ينتصر فيه أحد. وقد ورد عن الإمام علي أنه قال: (مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ الإثْمُ بِهِ، والْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌ).
إن وجود أخطاء من هذا الطرف، وممارسات سيئة من ذلك الطرف، السني أو الشيعي، في أي منطقة كان، لا يبرر التراجع عن السعي للوحدة والتقارب، والعمل من أجل التعايش السلمي، فذلك مبدأ ديني، وضرورة حياتية لحفظ الأمن والاستقرار، وإنما يجب معالجة الخطأ ومحاصرته ومنع تكراره وانتشاره.
على العلماء المخلصين والدعاة الواعين أن لا يتركوا جمهور الأمة فريسة لدعاة التطرف، وأن يصدعوا ويجهروا بدعوة الحق لإنقاذ الأمة من هذا المأزق الخطير. إن الدعوة للحوار والتعايش دعوة لإحياء الدين والأمة وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.