أحداث اللحظة وانعكاساتها المريرة
طبيعة الأحداث أنها تخلط الأوراق، وتشوش التفكير، وتعيد من وقعت عليهم إلى نقطة الصفر أحياناً، ليتحول كل شيء بنوه وسعوا له، وبذلوا من الجهد ما يتعبهم ويرهقهم، ﴿هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾، هكذا تحدثنا سلطنة عُمان بأهلها الكرام، أين كانت وكيف كان أهلها؟ وما تفكير كل واحد منهم قبل إعصار (جونو) ثم كيف أصبحت؟ وأين بناها التحتية؟ وما أولويات الناس المعروفين بالطيب والكرم والضيافة، لعلنا سمعنا عبر الفضائيات، أن مطلبهم كان توفير ماء صالح للشرب، ومستشفيات ميدانية للوقاية من الأمراض المحتملة.
لا فرق في أن يتولد الحدث بسبب الطبيعة، أو يحدث بفعل الإنسان، فنحن نشهد أحداث الساحة اللبنانية التي يتأمل المسلم والعربي خيراً بنضجها واستوائها وجاهزيتها للتقدم نحو حل يزيل توترها ويعيد الأمور إلى توازنها المعقول، لكن الأحداث التي تترقب باللبنانيين السوء والتمزق تعيد الأمور إلى نقطة الصفر، فهنا تفجير وهناك اغتيال، وهنا بارد تسخنه الأسلحة المتنوعة فتحوله جحيماً لا يطاق، والحبل على الجرار، لكن المشترك بين كل تلك الأحداث هو العودة إلى نقطة الصفر، أو حرف اتجاه السير وتحويل أي تلاق محتمل أو حل يلوح في الأفق إلى ضغائن وأحقاد تضاف إلى سالفها لتفجير الأوضاع من جديد، جديد لا يبلى حتى يتجدد بلباس وأسلوب ودماء أخرى.
إن ما يحصل في العراق، البلد الجار العربي المسلم، هو من هذا القبيل تماماً، فما أن تهدأ الأمور قليلاً من وقع أحداث سابقة، حتى تبدأ المؤامرات تحاك سعياً وراء الاحتراب الداخلي والتقاتل الطائفي، ولعل الاعتداءات الأخيرة على مقدسات الطائفتين المسلمتين (الشيعة والسنة) اكبر دليل على ذلك.
هناك في العراق من يأنس بالمستنقع الطائفي، وهناك من يعتقد أنه يربح فيه، وهناك من يتطلع لمساومة العراقيين به، أقول هذا لأنه لا زال في العراق من يتطلع إلى فتات المحتل وعطاياه ووعوده، ولذلك يرتضي أن يكون ألعوبة وأداة لتنفيذ مخططاته.
مقابل هذا النوع من الناس ومقابل المرضى في أفكارهم والمتعصبين بلا هدى لضلالهم يتأكد الرهان على القوى الفاعلة في العراق وخارجه بان تمسك بزمام الأمور من جديد لتصحح المسار وتدفع الأمور إلى ما فيه مصلحة الشعب العراقي الكريم.
إننا نراهن على وعي القيادات والزعامات الدينية في تصحيح مسارات ردود الأفعال لتكون ايجابية وفي الاتجاه المعاكس لما يرسمه أهل السوء من مؤامرات ضد العراق، لقد فعلت تلك القيادات حسناً حين دعت إلى ضبط النفس وإسقاط مخططات الفتن، والعمل بوعي من أجل تأكيد وحدة الشعب العراقي.
إن تأكيد حرمة الدماء، وحفظ الأعراض واحترام المقدسات الدينية شرعاً هو من أعظم المهام التي تتحملها هذه الزعامات، حتى ينتقم من ينتقم ويتقاتل من يتقاتل وهو على علم ويقين بخطئه وببراءة الدين من أعماله وأفعاله.
ونراهن ثانية على فهم الأمة بما فيهم أحبتنا في العراق للوضع المأزوم الذي يطوق المحتل، والضربات المتلاحقة التي تسقط يوماً بعد آخر هيبته، مما يجعله (كعادته) قابلاً لارتكاب الجرائم والحماقات وتأجيج الصراعات الأهلية والطائفية، لتنشغل البنادق عنه، وتتجه السهام لمسارات يكون في مأمن منها.
لا مصلحة لأحد فيما يحدث في العراق من تعد وانفلات في الوضع الأمني بين أبناء المجتمع العراقي إلا الأمريكيون، فهم من يفكرون في اللعب بالورقة الطائفية، وهم من يسعون لإشعار جميع الإطراف بالحاجة إليهم والى بقائهم في ارض الرافدين.
إن إدراك هذه الحقيقة يدفع إلى ضرورة البحث عن الأيدي القذرة التي تنفذ مخططاتهم وكشفها وتعريتها أمام الرأي الإسلامي العام دون الخوض في دماء العراقيين وإهانة مقدساتهم، والانجرار إلى مستنقع القتل والتنكيل واستهداف المقدسات، إذ علينا أن لا نعود إلى الفتن بل نمنع أنفسنا من الاصطفاف وراء كل عمل تشم منه رائحة الكراهية للآخرين.
ونراهن أخيرا على دور مشرف للإعلام العربي والإسلامي، ليكون الكاتب والمتحدث فيه مسؤولاً أمام الله وأمام أمته، دون أن ننتزعه من مسؤوليته حمية الجاهلية وروح الطائفية.
إن الدور المنوط بالإعلاميين والمثقفين والمفكرين، هو أن يحملوا على أكتافهم أقلام إخماد الحرائق الطائفية، تماماً كما تبعث الدول أطقم الإطفاء فيها إلى أي دولة تحتاجهم بسبب الحرائق الكبيرة التي تندلع في الأحراش والغابات، فنحن الآن في العراق أمام حريق لا تقل مخاطره عن تلك الحرائق بل هي اكبر وأدهى وأمر.
كلماتكم أيها الإعلاميون، وعناوينكم العريضة، وما تخطه أناملكم، إما أن يكون كله وأداً لفتنة أو أن يكون إيقاظا لها، ونفخاً على شررها المتطاير، لنصبح أمام حرائق وأهوال لا عد لها ولا حصر.
تعالوا نحمي أوطاننا وأهلنا بالقول الطيب لنكون ممن يطفئ الله به فتن الزمان ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾ ونرتقي بذلك لنصدر ثقافة الدين وتسامحه لجيراننا مساعدة منا في وضع حد لمعاناتهم ومآسيهم.