الشيخ الصفار ينشر مقالاً بعنوان «آليات التقارب أم الجدل المذهبي؟»معقباً فيه على مقال الأستاذ بندر الشويقي المنشور في «الرسالة العدد 15983 بتاريخ 7/1/1428هـ والذي جاء تحت عنوان: «ولكن لماذا ينجح العدو بسهولة في استثمار الانقسام السُّني الشيعي؟»). وذلك في ملحق صحيفة المدينة (الرسلة)[1]
نص المقال
ليسمح لي الأخ الكريم الأستاذ بندر بن عبدالله الشويقي في الاختلاف معه في منهجية معالجة موضوع الخلاف المذهبي السني الشيعي.
فما فهمته من مقاله هو أن المعالجة تكمن في أن يتناقش السنة مع الشيعة حول خلافاتهم العقدية، حتى يتفقوا على رأي واحد فيها، فتنتهي الثنائية السنية الشيعية، أو على الأقل أن يتنازل الشيعة عن بعض ما يؤمنون به، ويأخذون برأي أهل السنة.
فالحوار يأخذ منحى المحاكمة والموازنة بين الآراء المختلف فيها، والنتيجة التي ينبغي الوصول إليها هي الاتفاق على رأي واحد.
بالطبع هناك في الوسط الشيعي من يوافق الأخ بندر الشويقي على رأيه، ويعتقدون أن مذهبهم هو الأصح والاصوب، وأن الحوار وشعارات التقارب مع أهل السنة غير مجد، وأن المنهج الصحيح هو مناقشة أهل السنة لإقناعهم بخطأ آرائهم وليتوحدوا مع الشيعة على الأخذ بمذهب الشيعة.
واعتقد أن الأخ بندر مطلع على هذا الرأي.
والذي أراه أن هذا النهج في معالجة الخلاف السني الشيعي والذي يتبناه بعض الشيعة وبعض السنة ليس صحيحاً ولا مجدياً ولا يوصل الأمة إلى نتيجة، بل يكرّس واقع الصراع، ويشعل ساحة الأمة بالفتن، ويشغلها عن مصالحها الحاضرة، ويعطي الفرصة لتدخلات الأعداء.
وقد أخذ هذا النهج فرصته الطويلة الكافية، طيلة العقود والقرون الماضية، فكانت نتيجته تراثاً ضخماً من المساجلات والمماحكات والمناظرات، التي استهلكت وقتاً طويلاً من العلماء وطاقات الأمة، إضافة إلى سجل من الأحداث في النزاعات والصراعات التي عادة ما ترافق مثل تلك المناظرات، وبقي السنة سنة والشيعة شيعة، اللهم إلا تحول أفراد من هذا الطرف إلى ذاك الطرف أو العكس.
بناءً على هذه الرؤية فإني ابتعد عن المساجلات المذهبية ووضع أي مذهب على المحك، وأرى التعايش بين أتباع المذاهب وبقاء أهل كل مذهب على ما اقتنعوا به واختاروه لأنفسهم.
نعم لابد من وقف الإساءة من أي طرف للآخر بالتكفير أو التحريض أو النيل من رموزه ومقدساته، مع حق كل طرف بأن يطرح رأيه ورؤيته.
ولدي في الأخير عتاب على الأخ الشويقي فهو قد ذكر أني أطرح شعارات الوحدة والتقارب دون أي طرح لآليات التطبيق. مع اطلاعه حفظه الله على كلمتي في ( المؤتمر العالمي لتكريم الإمام شرف الدين في بيروت) والتي تحدثت فيها عن ما أراه من آليات مناسبة للوحدة والتقارب.
فقد نقل منها مقطعاً من أول الكلمة انتقدت فيه عدم الاهتمام بآليات الوحدة والتقارب، ليكون مدخلاً لطرح ما أراه على هذا الصعيد.
فلماذا تجاهل ذلك؟ إنه إذا كان مخالفاً للآليات التي اقترحها، فليقرر وجهة نظره، وأنه يختلف معي في تلك الآلية ويرى غيرها، لا أن ينكر أصل الطرح ويتجاهله.
علماً بأن لدي عدداً من الكتب المنشورة التي تعالج موضوع آليات الوحدة والتقارب ككتاب ( التنوع والتعايش) وكتاب ( نحو علاقة أفضل بين السلفيين والشيعة) وفي المكاشفات التي نشرها الأستاذ عبد العزيز قاسم في ملحق الرسالة لجريدة المدينة تحدثت عن اطروحتي في هذا المجال، وقد وجه الأستاذ عبدالعزيز قاسم جزاه الله خيراً في بداية الحلقة الثالثة والمنشورة بتاريخ 1/9/1425هـ دعوة إلى مناقشة المشروع الذي طرحته فقال: ما نصه: «إنني أتمنى على كل مهتم بالشأن العام والوطني، وخصوصاً من إخوتنا في التيار الإسلامي عبر أطيافه المتعددة، أن يتأملوا مشروع الشيخ حسن الصفار الذي يطرحه اليوم ويتضمن فتح حوار للتفاهم بين طائفته وبين التيار الإسلامي العريض في ساحتنا المحلية».
وأعيد هنا بالمناسبة ملخصاً لما ذكرته في كلمتي في بيروت حول آليات الوحدة والتقريب، على المستوى الإسلامي العام دون النظر إلى بلد أو مجتمع معين، ونشرتها مجلة الكلمة في العدد(52) لصيف 2006م -1427هـ.
أولاً: تحقيق مفهوم المواطنة: التي تساوي بين الناس الذين يعيشون على أرض واحدة، في ظل نظام سياسي واحد، وإن اختلفت أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم. هذا المفهوم الجديد في هذا العصر لم يأخذ حقه من البحث في اهتماماتنا الفكرية والفقهية، وبقينا نتعامل مع الوطنية والمواطنة باعتباره مفهوماً وافداً أجنبياً دخيلاً على حياتنا، وبالتالي لم نحدد مواقفنا تجاه تفصيلاته ومستلزماته.
ثانياً: تبني قضية حقوق الإنسان، ومناقشة وثيقة حقوق الإنسان المعتمدة دولياً، والاتفاقيات الملحقة بها، وتسليط الأضواء عليها برؤية دينية إسلامية، وإذا كان هناك تحفظ على مادة أو مادتين مثلاً، فلا يصح تجاهل كل تلك الجهود، خاصة وأن مجتمعاتنا بحاجة ماسّة لتفعيل هذه القضية، إن إغفال الاهتمام بحقوق الإنسان هو الذي يفتح المجال لتيارات التطرف والتشدد، وللتوجهات التعصبية، التي تسيء فهم الدين، وتمارس العدوان على الحقوق المادية والمعنوية للمخالفين لها في الدين أو المذهب أو الاتجاه الفكري والسياسي.
إن هذه الجهات لا تعترف ولا تلتزم بالحقوق الإنسانية لمخالفيها، وقد تهدر دماءهم أو تستبيح حرماتهم المادية والمعنوية. إن فقهاءنا يصرفون جهداً كبيراً في بحث مسائل الطهارة والنجاسة والعبادات، وهو جهد مطلوب يشكرون عليه، لكن قضايا حقوق الإنسان لم تنل من جهودهم واهتمامهم بمقدار ما تحتاجه في الساحة الداخلية وعلى المستوى العالمي.
وحين يكون هناك إقرار رسمي وديني واجتماعي بحقوق الإنسان فإن ذلك يكرّس حالة الاحترام المتبادل، ويساعد على الابتعاد عن حالات الإساءة والعدوان، وذلك هو ما يصنع أجواء التقارب والوحدة.
ثالثاً: إقرار التعددية الفكرية والسياسية، فمشكلة الأوساط الدينية أنها تخلط بين اعتقادها بأحقية معتقدها، وبين الإقرار بحق الآخرين في تبني معتقداتهم، إن اعتقاد أي جهة بأنها على الحق والصواب أمر طبيعي، لكنها يجب أن تعرف وتعترف بأن الآخرين ينظرون لأنفسهم كذلك، ويرون أنهم على الحق والصواب.
إن القبول بالتعددية الفكرية مبدأ هام، نفتقده مع الأسف في أوساطنا الدينية ليس بين المذاهب فقط، وإنما حتى بين المدارس والتيارات داخل المذهب الواحد.
إن القمع الفكري لا يحقق الوحدة كما قد يتوهم البعض بل يؤسس للصراع والاحتراب. بينما يوفر إقرار التعددية حالة من الاطمئنان والثقة بين الأطراف المختلفة، ويمكنها من صنع إطار جامع، تحافظ من خلاله على المصالح المشتركة.
وهذه ليست فرضية علمية، ولا أطروحة نظرية، بل هي واقع قائم تعيشه سائر المجتمعات البشرية، التي يتنوع أبناؤها في أديانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم وأحزابهم.
إن إقرار التعددية الفكرية يترتب عليه الاعتراف بحق مختلف الأطراف في التعبير عن آرائها وإعلان مواقفها، وممارسة شعائرها الدينية، وإقامة مؤسساتها الاجتماعية، ضمن قانون يخضع له الجميع، دون هيمنة واستعلاء من أحد، أو تهميش وإقصاء لأحد.
رابعاً: تجريم التحريض على الكراهية والإساءة، بأن يحاسب القانون ويعاقب النظام على ذلك، إن من أهم أسباب الفتن والصراعات الداخلية، وجود دعاة دينيين يصدرون فتاوى وينتجون خطابات تعبوية تتضمن الإساءة لآخرين مخالفين لهم، وتبيح هدر حقوقهم، ويتم التغاضي عن هذه الجهات، بل ويحصل التشجيع لها في بعض الأحيان، بمبرر أنها تعكس رأياً شرعياً، أو كما يقول عنها أصحابها إنها تكليف شرعي.
إن البحث في مثل هذه الآليات، وتأصيلها من الناحية الشرعية، وتحويلها إلى صيغ قانونية نظامية، وتوعية جمهور الأمة بالبرامج العملية المنبثقة عنها.. كل ذلك يرسم لنا خارطة طريق لتحقيق التقارب والوحدة، وينقلنا من حالة التطلع والأمل، إلى واقع الممارسة والتطبيق.
في الأسبوع القادم..
الشيخ الصفار يرد على د. البريك:
أرفض تدخل أي مرجع في الشؤون السياسية الداخلية لبلادنا فنحن جزء من هذا الوطن وهذا الشعب.