ما يحدث في العراق من فتنة طائفية تأكيد على ضرورة الوحدة وأهمية الحوار والتقارب
تعقيباً على مقال الصحفي عبدالعزيز قاسم «من وحي إعدام صدام» والذي طالب فيه عقلاء الشيعة «من أمثال الشيخ محمد حسين فضل الله وآية الله التسخيري والشيخ حسن الصفار، ممن باشروا مسألة التقارب مع السنة بضرورة استنكار ما حدث ـ بعد مقتل صدام حسين»، ورداً على ما جاء في مقاله قدّم سماحة الشيخ حسن الصفار رسالة لكاتب المقال عبدالعزيز قاسم، مع مقال حول الموضوع ذاته، وهذا نص الرسالة والمقال كما نشرته الرسالة ملحق جريدة المدينة...
الأخ الأستاذ عبد العزيز محمد القاسم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، اطلعت على مقالكم الذي تناولتم فيه الأوضاع المتفجرة في العراق ، والآثار التي تتركها على الساحة الإسلامية ، والموقف الذي ينبغي أن يتخذه عقلاء الأمة الحريصون على وحدتها ومصالحها.وإني إذ أتفق معكم على خطورة الأوضاع التي أشرتم إليها وأدين جميع المواقف والممارسات الطائفية البغيضة التي يقوم بها المغرضون أو الحمقى والجهلاء من الطرفين السنة والشيعة ، أحيطكم علماً بأني قد كتبت وتحدثت في أكثر من مناسبة ومورد معترضاً على تلك التوجهات ، داعياً أطراف الساحة العراقية سنة وشيعة إلى تجاوزها ، مرفقا لك نماذج منها.
كما أدعو نفسي وأدعوكم وجميع العقلاء الواعين إلى عدم الاستجابة لضغوط المتطرفين في ساحتنا، والذين يهمهم إسقاط وإضعاف نهج الدعوة إلى الوحدة والتقارب، واستدراجنا إلى خنادق الاصطفاف والمواجهة الطائفية التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة.حفظكم الله ورعاكم وحمى بلادنا وأمتنا من المكائد والفتن.
إن وحدة الأمة والحوار والتقارب بين فئاتها على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم، يجب أن يكون غاية نبيلة وهدفاً مقدساً، وليس مجرد وسيلة لتحقيق مصالح محدودة، ويجب أن يصبح إستراتيجية دائمة لا مجرد تكتيك مرحلي.
إنه غاية وهدف لأن الله تعالى قد تعبدنا به، وأمرنا بتحقيقه، حسب آيات القرآن الكريم، وأحاديث السنة الشريفة.
وهو نهج ثابت وإستراتيجية دائمة، لأن العقل يهدي إلى أنه الخيار الأفضل لتنظيم العلاقة في المجتمعات البشرية، وان بديله هو التنازع المفضي إلى الفشل والدمار.
إن ما يحدث على الساحة العراقية من فتنة طائفية هوجاء، يجب أن نعتبره تأكيداً على ضرورة الوحدة وأهمية الحوار والتقارب، وأن يكون دافعاً للعقلاء والواعين في الأمة لتكثيف جهودهم لجمع الشمل ولم الشتات، ومحاصرة الفتنة وتطويقها.
فما يجري في العراق هو ثمرة مرة ونتاج وبيء لحقبة سيئة عاشها الشعب العراقي، في ظل نظام استبدادي أذاق شعبه الويلات، ومزق أوصاله بسياسته الجائرة، ثم جاء الاحتلال الأمريكي ليستثمر النتائج ويقطف الثمار.
إن استخدام العنف داخلياً وباستهدافات طائفية، الذي عاشته الساحة العراقية، وبلغ ذروته بتفجير مرقد الإمامين في سامراء، وما قبله من اغتيال السيد الحكيم في النجف، وتفجيرات عاشوراء في كربلاء، وما أعقبه من ردود فعل قبيحة طالت بعض المساجد والناس الأبرياء، يشكل اكبر خدمة لأطماع الاحتلال الأمريكي، وإخضاع المنطقة للهيمنة الأجنبية.
لذلك لابد من إعلان الرفض للعنف والإرهاب الطائفي من أي جهة صدر.
وقد دفعني شعوري بالمسؤولية إلى تناول هذا الموضوع وإدانة التطرف والعدوان من أي طرف سني أو شيعي، في أكثر من مناسبة ومورد، وهي موجودة على موقعي في الإنترنت .
أما ما حدث أخيراً في عملية إعدام صدام، فلا شك أن توقيت الإعدام صبيحة يوم عيد الأضحى، والأجواء السيئة التي رافقته، هو أمر مستهجن مرفوض، وهو فخ نصبه الأمريكان لمزيد من إشعال نار الفتنة الطائفية، ووقعت فيه الجهة المنفذة للإعدام.
بقي أن أشير إلى أنه من الخطورة بمكان مواجهة الخطأ بخطأ اكبر، وهو توظيفه في التعبئة المذهبية الطائفية، فالنقد والرفض والاعتراض يجب أن يتوجه إلى الممارسة وإلى الجهة السياسية فيها، لا أن يصبح مبرراً لحملة شعواء على المذهب تنال أصوله ومعتقداته وتاريخه ورموزه، وأن يكون هناك طعن وتجريح ينال كل المنتمين إلى المذهب في مختلف أنحاء العالم.
إن هذه التعبئة الطائفية التي تتمثل في بعض فتاوى التكفير، وبيانات التشكيك والتجريح، وخطب التحريض وإثارة الضغائن، تساعد على تحقيق أهداف الأعداء بتمزيق الأمة، وإشغالها بخلافاتها، وتعيد المنطقة إلى أجواء الصراعات المذهبية التي عاشتها أيام الحرب العراقية الإيرانية، وتهدد بضياع الجهود المخلصة التي بذلها خادم الحرمين الشريفين في قمة مكة الاستثنائية، وفي الحوار الوطني، وكذلك جهود كل المصلحين والمخلصين من علماء الأمة ودعاتها ومفكريها. كما تفتح الثغرات في جدار الوحدة الوطنية. فهذه التعبئة تؤثر على علاقات المواطنين ببعضهم، وتخلق أجواء للتشنج والخصام.
علينا أن نصر على نهج الوحدة والتقارب والحوار، وأن نواجه السلبيات والعوائق والنكسات التي تعترض المسيرة، فوجودها أمر طبيعي متوقع، لتأثيرات التاريخ ومؤثرات التراث المذهبي عند مختلف الأطراف، ولخطط الأعداء لتمزيقنا وضرب بعضنا ببعض.
إنه لا يصح لنا أن ننهزم أو نتراجع عن ما نعتقده مبدأ شرعياً، ومصلحة عقلية واضحة، وضرورة حياتية، لحصول عقبة هنا أو نكسة هناك، ولا يجوز لنا أن نخضع لضغوط المتطرفين في مختلف الساحات الذين هم في الأصل ضد فكرة الحوار والتقارب، ويسعون لإفشالها، ويستغلون الأحداث السيئة لذلك[1] .