الاحتفاء بالسيدة زينب في كنيسة محردة
كلمة تقديمية للعدد الخاص (السابع) من مجلة النجمة المحمدية
لسماحة المفكر الإسلامي العلامة الدكتور الشيخ حسن الصفار
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحابته الطيبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين.
أولياء الله تعالى من الأنبياء والأوصياء والأصفياء عاشوا في محبة الناس، وكرّسوا حياتهم من أجل خدمة البشر وسعادتهم، وكانوا منفتحين على كل الناس، ومحبين لهم، حتى من كان يسيء إليهم يقابلون إساءته بالإحسان، وفق تربية الله تعالى لهم، حيث يقول جل شأنه: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ فصلت الآية 34.
وما كان في قلوب الأولياء موقع للحقد أو الحسد أو الكراهية لأحد من البشر، وحتى الفاسدون المنحرفون، كانت الكراهية لأعمالهم السيئة، لا لذواتهم التي كان يتمنى الأولياء لها النجاة والصلاح.
كان الأولياء ينظرون إلى مخالفي الهدي الإلهي، على أنهم في الغالب غافلون عن إدراك الحقائق، جاهلون بمواقع المصلحة والخير.
كما يخاطب نبي الله هود (عليه السلام) قومه:﴿ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ﴾ الأحقاف:الآية23
وحين اشتد الأذى من قبل المخالفين على رسول الله فإنه رفع بصره ويديه بالدعاء لهم من الله تعالى مردداً: «اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون».
ورؤي الإمام علي بن أبي طالب وهو يبكي على بعض قتلى المعسكر المناوئ له في معركة الجمل، كما نقل عن الإمام الحسين بن علي أنه بكى يوم عاشوراء، فلما سئل عن سبب بكائه؟ أجاب: إنه يبكي شفقة على أعدائه الذين سيدخلون النار بسبب إقدامهم على جريمة قتله ظلماً وعدواناً.
وإذا كان هذا هو موقف الأولياء من المخالف المسيء فكيف بموقفهم مع المختلف رأياً وتوجهاً؟
إن سيرة الأولياء تشير إلى إتساع صدورهم، ورحابة أفق تفكيرهم، تجاه من يخالفهم في المعتقد والرأي، رغم يقينهم بما يحملونه من الحق، وقطعهم بضلال الطرف الآخر.
لكنهم يتعاملون مع الناس على أساس الاعتراف لهم بحرية الرأي والفكر، واحترام حقوق الإنسان، والتزام العدل والإحسان.
فقد خاطب رسول الله عبدة الأصنام في مكة قائلاً ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ الكافرون االآية6
وكان أئمة أهل البيت يستقبلون في مجالسهم ومدارس علومهم كل راغب في العلم والمعرفة، وإن كان له رأي وتوجه آخر، فمن تلامذة الإمام جعفر الصادق أئمة لمذاهب أخرى.
إذا كان الأنبياء والأئمة والأولياء في حياتهم وسيرتهم هكذا، فكيف أصبحت أسماؤهم الآن عبر أدعياء الانتماء لهم عناوين للانقسام، ومبرراً للاحتراب والنزاع؟
وكيف أصبحت المناسبات الدينية والذكريات التاريخية المرتبطة بالأولياء سبباً للإثارات والمشاكل؟
إنه لمؤلم جداً أن تصبح ذكريات الأولياء وكأنها بؤر للتشنج والتوتر، ومحطات للتعبئة ضد الآخر، ونشر ثقافة الكراهية والبغضاء، بدل أن تكون هذه الذكريات مناسبة للتأكيد على قيم المحبة والعدل والإحسان، لكل بني البشر،وفقاً لنهج أولياء الله، وطبيعة الأفكار التي كانوا يبشرون بها ويدعون إليها.
وجزى الله الدكتور عصام عباس خير الجزاء، لاجتهاده وسعيه لتقديم النموذج الرائع لهذا التوجه النبيل، حيث وفقه الله تعالى لإقامة مهرجان سنوي، إحتفاءً بذكرى المرأة العظيمة، النجمة المحمدية، واللبوة العلوية، والثمرة الفاطمية، شريكة الحسين في نهضته المقدسة، السيدة زينب بنت علي .
هذا المهرجان اعتبره نموذجاً رسالياً رائعاً لما ينبغي أن تكون عليه برامج الاحتفاء بشخصيات الأئمة والأولياء.
حيث يحتضن المهرجان شرائح من مختلف الأديان والمذاهب والتيارات والتوجهات، في ظل عنوان إنساني، وضمن أجواء قيمية، تستلهم من سيرة السيدة زينب وشخصيتها العظيمة، مواقف الكرامة والعزة والصمود، وتغترف من نميرها المبارك رشفات المعرفة والإخلاص.
وجاء الاحتفاء هذا العام 2006م بميلاد السيدة زينب في كنيسة محردة في بلدة حماة العريقة، ليؤكد نجاح هذا المسعى، وصحة هذا التوجه، في الارتقاء بذكريات الأولياء إلى الأفق المفتوح الذي كانوا يعيشونه، وتوظيفها لصالح الأهداف السامية التي كانوا يحملونها في خدمة الإنسانية جمعاء.
وقد تابعت عن بعد (حيث حرمت توفيق الحضور المباشر) خطاب قداسة القسيس معن بيطار، رئيس السنودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان، الذي ألقاه في هذا المهرجان المبارك في كنيسة محردة، فأسرني برقته وصفائه، وشدّني بموضوعيته ودقة ملاحظاته، فحديثه في المقاربة بين السيدتين العظيمتين مريم العذراء في موقفها عند صلب السيد المسيح وفق ما يراه المسيحيون، وزينب الحوراء في موقفها بعد استشهاد أخيها أبي عبدالله الحسين ،كان حديثاً رائعاً جداً، كذلك فإن دعوته لتوجيه الجهود المسيحية باتجاه التقارب مع الإسلام، تعبر عن وعي عميق بما يجري من أحداث عالمية تستهدف افتعال الصراع بين العالم الإسلامي والعالم الغربي المسيحي، لخدمة الأطماع الصهيونية، ولهيمنة قوى الاستكبار على منطقة الشرق الأوسط.
شكر الله لأخي الدكتور عصام سعيه المبارك وهنيئاً له هذا التوفيق العظيم، وجعله الله قدوة للموالين الصادقين، حتى يأخذوا نهج الإحياء الرسالي لذكريات الأولياء.
وإلى المزيد من التطوير والتقدم في برامج المهرجان الولائي السنوي بميلاد المرأة العظيمة السيدة زينب .
وكل عام وانتم بألف ألف خير.
والحمد لله رب العالمين.
حسن الصفار
4رمضان1427هـ ــ 27/9/2006م