قالوا إنه تشنيع على مذهبهم تنتجه الذريعة السياسية
علماء شيعة: لا نسب الصحابة ولا نقول بتحريف القرآن ولا نكفر السنة
مساحات التقارب أكثر من الخلافات الفقهية
الشيعة يكفرون الناصبة فقط
هذا القول نتاج صراع مذهبي
رد من الشيخ حسن النمر
قراءة اقصائية لملايين المسلمين
الحاجة الى وقفة مراجعة
الروافض والنواصب والأصل التاريخي
سب الصحابة تشنيع على الشيعة
مسألة تحريف القرآن
التقريب بين المسلمين
ورد من الشيخ جعفر النمر
ضوابط الاستنباط والفتوى
الخصوصيات المذهبية
سجالات لا وقت لها
السياسي العربي والأمزجة الفقهية
ضرورة العودة الى الفقه المقارن
التقريب نتاج العلماء والمجتمع
تلقت (العربية.نت) ردودا من بعض علماء الشيعة على التقرير الذي نشرته الثلاثاء 8/8/2006 وجاء فيه على لسان عدد من العلماء السعوديين أنه لا توجد فتوى بتكفير الشيعة على الاطلاق، وتضمن أيضا الفتوى التي نشرها الشيخ د. عبدالله بن جبرين في موقعه، مبينا فيها أن الفتوى التي نسبت له وأثارت جدلا واسعا حول حزب الله لم تكن تتعلق بالحزب وأنها فتوى قديمة «والواجب على الذين نشروها أن يبينوا ما تتعلق به وأن يتثبتوا فيها قبل نشرها وأن يردوها إلى من صدرت منه حتى يبين حكمها ويبين مناسبتها».
وننشر تلك الردود كما هي دون تدخل منّا إيمانا بحرية الرأي وحق كل طرف في ابداء وجهة نظره التي تعبر عنه.
وقد أكد العلماء الشيعة السعوديون عادل أبو خمسين وحسن النمر وجعفر النمر والمفكر الشيعي اللبناني السيد هاني فحص، أن مساحات التقارب بين السنة والشيعة أكبر بكثير من مساحات الخلاف، وأن مسائل سب الصحابة والقول بتحريف القرآن وأن جبريل خان الأمانة فنزل به على الرسول بدلا من عليّ، لا وجود له في كتب الشيعة ولا في مذاهبهم.
فيما رأى الرمز الشيعي السعودي الشيخ حسن الصفار أن الوقت غير مناسب لابراز الخلافات المذهبية وجراحات الماضي، مطالبا بالتوقف عن هذه السجالات بين أهل المذهبين السني والشيعي.
يقول الشيخ عادل عبدالله بو خمسين إن التقارب بين السنة والشيعة هو أكثر بكثير من الخلافات والفوارق الفقهية والمذهبية. وهناك بعض الفوارق التي تعتبر وهمية وليست حقيقية، مجرد اختلاف في المصطلح. اما المضمون فهو متفق عليه، وهي كثيرة من هذا النوع. وبجهد من علماء الفريقين بامكان القضاء عليها.
وهناك قسم آخر من الفوارق، هي فوارق حقيقية ولكنها لا تعني انفصالا كليا بين المذهبين، وانما نعتبرها من ضمن الفوارق الطبيعية في داخل الدين الاسلامي الشامل والواسع والقادر على احتضان الاجتهادات والأراء المختلفة.
وردا على سؤال حول مأخذ بعض علماء السنة بأن بعض الفرق الشيعية تقول بحدوث تحريف في القرآن وأنه حذف منه ما يخص آل البيت قال الشيخ أبو خمسين: فيما يتعلق بتحريف القرآن أو النقص والزيادة فيه فهذا غير صحيح، وهو افتراء على الشيعة، فغالبية علمائهم وفي كتبهم يؤكدون دائما على أن القرآن الموجود هو القرآن الصحيح والكامل والمتفق عليه.
لكن بعض الجهال من الطرف الآخر يريد أن يشنع أو يوجد مثلبة على الطرف الثاني رغم أنه ينكر هذا الشئ، فالمسألة الخاصة بالقرآن، هي من الأوهام الموجودة عند البعض جهلا أو وهما أو ضمن الصراع المذهبي.
وفيما يختص بمسألة الصحابة والنيل منهم قال الشيخ أبوخمسين: الحديث هنا من جانبين، الأول مبدأ القضية، فالغالبية من الشيعة وكثير من الروايات عندنا تمنع وتنهى عن هذا الأمر.. من الناحية الأخلاقية، فالمؤمن ليس من صفاته أن يشتم أو يسب أي طرف كان. كما أن الوحدة الاسلامية والتاريخ الاسلامي يستلزمان من الانسان أن يحترم الأطراف الأخرى حتى لو كانت عنده وجهات نظر أو رأي مخالف.
النقطة الثانية: على افتراض انه وجد شخص أو شخصان أو قلة أو أفراد، كانت عندهم هذه الصفة، فنحن نرى في التاريخ الاسلامي أن الصحابة مع بعضهم البعض كانت بينهم خلافات وحروب وكان بينهم أيضا سباب. فلا يوجد عالم من المسلمين قال إن سب صحابي لصحابي آخر، اخرجه من الدين والملة والاسلام. من الممكن أنه أخذ عليه ذلك السب والشتم واعتبر خطأ، ولكن لم يدع عالم من القدماء أن ذلك الصحابي خرج على الاسلام بشتمه وسبه صحابيا آخر.
وشرح الشيخ أبو خمسين ذلك بقوله: أريد أن أقول هنا إنه على فرض أن أحدا أو اثنين عنده هذا الرأي، فهذا لا يعني أنه خرج عن الدين والملة. صحيح أنه مخطئ، في رأيي شخصيا، لأنه لا يصح شتم الصحابة وسبهم وتعميق الفجوة بين المذاهب بهذه الطريقة، ولكن ذلك لا يصل إلى أن نخرج انسانا عن الدين والملة.
ويشير إلى أن الخلافات قسمين، قسم موروث يمكن تجاوزه عبر توضيحه. ويجب على الناس أن يعرفوا حقيقة وجهة النظر الأخرى من مصدرها، ولكن المشكلة أننا نتعرف على المذهب الآخر ليس من اتباعه وانما من جماعات أخرى. فمثلا هناك من يتعرف على المذهب الشيعي، ليس من علماء الشيعة وإنما من اناس عندهم شئ في نفوسهم عن الشيعة، وهؤلاء ليسوا مصدرا صحيحا. كذلك الشيعة يفترض أن يعرفون المذهب السني من مصادره، أي من علماء السنة.
وسألته هل يوجد في الشيعة تكفير لأهل السنة فأجاب: موجود بخصوص الناصبي فقط من المذهب السني، ولكن لا يوجد في كتبنا المعتمدة من يقول إن السني كافر أبدا. نحول نقول إن من تلفظ بالشهادتين فهو مسلم أيا كانت قناعاته وأفكاره وأراؤه. أما الناصبي فهو الذي ينصب العداء لأهل البيت، فهو يخالف ضرورة من ضرورات الدين. والسنة هم أيضا يقرون بهذا الشئ، أي أن النبي يأمر بالولاية لأهل البيت ومحبتهم، ومن يعاديهم فهو خالف النبي. وواقع الأمر في العالم الاسلامي أن هذه الفئة غير موجودة إلا ما شذ وندر، أما الحكم فقهي بشأن الناصبة فهو موجود.
وحول أن هناك من الشيعة من يقول إن جبريل عليه السلام خان الأمانة ونزل بالوحي على الرسول بدلا من علي، يقول الشيخ أبوخمسين: هذا غير صحيح وغيرموجود، وهو من ضمن الأمور التي يجري استخدامها في الصراع المذهبي. وليس هناك عالم كبير أو صغير من علماء الشيعة من يقول بهذا الرأي، ولا يوجد كتاب أيضا معتمد عند الشيعة يقول ذلك، ومن يقله يكون قد خرج عن الدين لأنه يشكك في النبوة التي هي أصل من أصول الدين وضرورة من الضرورات التي يمنع التشكيك والخدش فيها عند كل مذاهب المسلمين.
وقال: هذا الأمر من الشائعات التي تستخدم في ظل الصراع المذهبي للأسف الشديد والأوهام الموجودة عند البعض. والصراع المذهبي يغزيه الجهال من عامة الناس، وقد كانت الصراعات السياسية طوال التاريخ سببا رئيسيا في تغذية الصراعات المذهبية، فينساق بعض العلماء لهذا الصراع السياسي. وهناك الفريق المتطرف من الفريقين، وهو فريق لا يقبل بالوسط ولا بالحلول، ولا ينظر إلى الرؤية الشاملة للأمة الاسلامية ومصلحتها ومصلحة دولها وشعوبها ومجتمعاتها، وعندهم دائما ضيق أفق ورؤية ضيقة ونظرة فئوية.
اما الشيخ حسن النمر فقد رد على الفتوى الجديدة التي نشرها الشيخ د.عبدالله بن جبرين حول الفتوى التي نسبت له بخصوص حزب الله، حيث أوضح أنها فتوى قديمة ولم تكن عن الحزب وأن من نشرها لم يتثبت من تاريخها ولم يرجع إليه.
يقول النمر في رده الذي ننشره كما وردنا بالنص: «في هذه الفتوى (المنسوبة) نواح عدة تحتاج إلى التعليق. وقبل ذلك أقول:
أولاً: إن أمتنا الإسلامية أحوج ما تكون إلى الأصوات العاقلة والحكيمة والمخلصة التي تحرص أشد الحرص على الاعتصام بحبل الله والاجتماع على مرضاته، قال الله تعالى ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ﴾. كما نهانا عن الفرقة والاختلاف قائلاً:﴿ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ﴾.
ثانياً: إن ما يجمع المسلمين، على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم، أضعاف ما يختلفون فيه. إلا أننا نجد بعض المسلمين، ومنهم بعض أهل العلم للأسف، استمرأوا تمزيق المسلمين، من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون.
ثالثاً: ليس معيباً أن يخطئ الإنسان ويعود عن خطئه، بل إن ذلك هو الفضيلة بعينها فالرجوع إلى الحق فضيلة كما قالوا».
ويضيف الشيخ حسن النمر: إن ما ذكر ونسب إليه (الشيخ الجبرين) من تراجعه عن الفتوى المتضمنة لعدم مناصرة حزب الله، ليست تراجعاً لا في الشكل ولا في المضمون، وهو إن صدق يمارس التقية التي يعيبها على الشيعة، بل إنه يؤكد ليس عدم مناصرة حزب، بل وجوب محاربته. ولنقف عن تعبيره فيها، حيث يقول:
1 - (هذه الفتوى قديمة صدرت منا في تاريخ 7 / 2 / 1423 هـ ) فهو لا ينكرها لأنه يعترف بصدورها.
2 - (وهي لا تتعلق بما يسمى حزب الله فقط) فهو يوسع من دائرة الفتوى إلى ما هو أوسع من حزب الله.
3 - (أما الرافضة في كل مكان فهم ليسوا من حزب الله، وذلك لأنهم يكفرون أهل السنة، ويكفرون الصحابة) فهو يفتري على الشيعة، الذين ينبزهم بـ(الرافضة)، فريةً تهتز لها أركان العرش، ليؤسس على ذلك الحكم بكفرهم، تمهيداً لمحاربتهم.
4 - (يطعنون في القرآن ويدعون أنه محرف وأنه منقوص منه أكثر من ثلثيه) وهذه فرية كبرى كررها تبعاً لأساتذته ولقنوها كثيراً من أتباعهم، توصلاً لمسرة التمزيق والتفتيت.
5 - (يشركون بدعاء أئمتهم الذين هم الأئمة الاثني عشر) وهذا افتراء آخر لا يقل عن ما سبقه.لينتهي إلى التأكيد على أن (هذا هو مضمون تلك الفتوى).
ويستطرد حسن النمر في رده: فنحن إذن أمام قراءة للإسلام في منتهى الإقصائية لمئات الملايين من المسلمين، مهما اختلفت وإياهم، مضافاً إلى أنها مفتريات وبهتان. ثم ينتهي (سماحته) إلى قوله: ندعو الله تعالى:
• أن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم وأن يبدلهم بعد الخوف أمناً وبعد الذل عزاً وبعد الفقر غنى، وأن يجمع كلمتهم على الحق.
• وأن يرد كيد اليهود والنصارى والرافضة وسائر المخالفين الذين يهاجمون المسلمين في لبنان وفي فلسطين وفي العراق وفي الأفغان وفي سائر البلاد الإسلامية، وأن يقمعهم ويبطل كيد أعداء الله الطامعين في بلاد المسلمين...).
ويتساءل حسن النمر: هل يسمى ذلك تراجعاً عن فتوى، أم إنه تأكيد لمضمونها. وذلك ينسجم تماماً مع مجمل قراءته للإسلام وللتشيع والشيعة الذين لا يرى فيهم غير (كفار ومشركين) كما نقرأه في موقع على الأنترنت، كما في فتواه التي أجاب فيها عن سؤال جاء فيه: ما حكم دفع زكاة أموال أهل السنة لفقراء الرافضة ( الشيعة) ؟ وهل تبرأ ذمة المسلم الموكل بتفريق الزكاة إذا دفعها للرافضي الفقير أم لا؟ فأجاب بقوله: لقد ذكر العلماء في مؤلفاتهم في باب أهل الزكاة أنها لا تدفع لكافر ولا لمبتدع، فالرافضة بلا شك كفار...).
ثثم يستطرد الشيخ حسن النمر في رده: « لذلك فإن (ابن جبرين) شريك بالمعنى العام في الدماء السائلة في جنوب لبنان، لأنه بفتواه هذه حال بين كثير من المسلمين، ممن يرون فيها مفتياً، وبين النصرة لحزب الله (الشيعي)، بل صارت هذه الفتوى ذريعة لـ(الصهاينة) يرددونها في إعلامهم لحشد الرأي العام الصهيوني حول قادة إجرامهم، باعتبار الشيعة – كما في الفتوى – ليسوا مسلمين، ولا تقلقوا – من تضامن إسلامي، لأن مفتين كباراً – كابن جبرين – يحكمون على أعدائكم (الشيعة) بالكفر».
ويواصل الشيخ حسن النمر: «ومن ثم فإننا أحوج ما نكون إلى وقفة مراجعة نستحضر فيها (الدين الإسلامي) كما أنزله الله بقيمه الإنسانية ومبادئه ﴿ لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ﴾، ونستحضر فيها أن الإسلام وفهمه ليس في قدرة أحد أن يفرضه على الآخرين فرضاً، بل إن المنطق يفرض ﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾. ونستحضر فيه أن العائق الأول للتنمية الإسلامية والتضامن الإسلامي هو في رواج مثل هذه الفتاوى التكفيرية التي تبرر الإرهاب – كما نشاهده في العراق باسم المقاومة حيث يفتك بالنساء والأطفال والرجال في الأسواق والمساجد والحسينيات – والتي تبعث على (الخدر) من ناحية أخرى، حيث تفرض على الأمة التسليم لما يقوله الحاكم لأنه (ولي أمر) حتى في قراءة حادثة سياسية لا تدخل تحت سلطانه وولايته».
وأضاف «بغير ذلك سيظل فكر أوساط واسعة وشرائح كبيرة من المسلين يعشعش فيها (الحقد والكراهية) ضد المسلم قبل الكافر، لأن علماء بلاد الحرمين الشريفين كابن جبرين، وهم الذين يفترض بتفسيرهم للإسلام أن يكون (الأفضل والأكثر أصالة!!) من علماء الأزهر والنجف وقم...
وقال حسن النمر: ما يحدث في لبنان من قبل المقاومة الإسلامية يمثل فرصة تاريخية لاجتماع الأمة على كلمة سواء تكون منطلقاً لتضامن إسلامي أصيل قائم على التسليم بالتعددية داخل الدائرة الإسلامية. لأن ما يقوم به الكيان الصهيوني، الوليد غير الشرعي للاستعمار والاستكبار، يمثل الجريمة الأشنع والأقذر في تاريخنا المعاصر. فما بال المقاومة في لبنان جمعت المسيحي اللبناني لأنه وجد فيها وطنية، إلى السني اللبناني الذي أضاف إلى ذلك جهاداً في سبيل الله، ولم يلمس فيها ابن جبرين وأضرابه إلا السوء والقبح الذي لا يبرر له مجرد الدعاء لله تعالى أن ينصرهم ؟!».
ويقول الشيخ حسن النمر: هنا مصطلحان:
الأول: مصطلح الرافضة
الثاني مصطلح النواصب
وكلاهما مصطلحان يستعملان في الأدبيات الإسلامية، ولكن ليس بالضرورة يكونان مستعملين لدى جميع الأطراف بمفهوم واحد، كما أننا قد لا نجد الدقة العلمية لدى الجميع عند إيرادهم للمصطلحين. إلى أن أصبح المصطلحان (نبزاً). يكثر استعمال (الرافضة) عند السنة للتعبير عن الشيعة، وكثر استعمال (النواصب) عند الشيعة للتعبير عن بعض السنة.
وأؤكد أن الاستعمال قد لا يكون علمياًّ عند الجميع، ولكن يترتب عليه سلبيات قد تكون كارثية معنوياًّ بل مادياً في بعض الأحيان.
وأوضح أن «المراد بـ(النواصب) عند الشيعة، أعني الفقهاء، من يتدين لله تعالى ببغض أهل البيت (عليهم السلام)، وحكمه عند الشيعة الكفر، بل عند السنة أيضاً باعتبار أن مودة أهل البيت) بندٌ عقدي متفق عليه بنص القرآن الكريم ﴿ قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ﴾.
والنصب – بهذا المعنى – لا مصداق له، لأنه السنة ليس فيه نواصب، لأنهم مجمعون على وجوب محبة أهل البيت».
وعن مصطلح (الروافض) قال حسن النمر: إنه يطلق في بعض الأوساط على الشيعة عموماً، وقد يخص بالإمامية منهم، إذا استبعدنا الزيدية لقربهم من السنة، والإسماعيلية لأنه باطنية في تصنيف هذه الأوساط، وهم أسوأ حالاً من الإمامية، كما يزعمون. ولكننا لا نجد تحديداً دقيقاً لمضمون المصطلح، ومكمن الخطر هو أن ثمة آثاراً يراد ترتيبها على استعمال المصطلح وإطلاقه.
وعن سب الصحابة قال الشيخ حسن النمر: هذه المسألة مما يشنع به على (الشيعة) دون وازع من ضمير ولا موضوعية علمية، ولا معرفة بخلفيات المسائل وجذورها. وأضاف: الشيعة بحمد الله يتحلون بأدب رفيع يعرفه القاصي والداني، وليس من أدبهم ولا أدبياتهم (السباب) الذي هو استعمال الكلمات البذيئة والنابية في حق الأشخاص العاديين، فضلاً عن جيل الصحابة الذين هم أفضل جيل بشري حظي بتربية خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). فالواجب احترام الإنسان وإكرامه، فكيف إذا كان صحابياًّ.
ثم واصل قائلا: إلى ذلك فإن من الواجب التنويه والتنبيه إلى أن الحق والشريعة فوق الأشخاص، فـ(الحق أحق أن يتبع)، والصحابة ليسوا معصومين، كما يؤكده القرآن والوقائع التاريخية ﴿ وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ﴾. وقد روي في الصحيح أن رسول الله يرد الحوض فيذاد عنه جماعة من الصحابة فيقول رسول الله : أصحابي، أصحابي، فيجاب بأنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
فإذن حصل من بعضهم ما يكون سبباً لبعده عن الله تعالى. وعليه، فالصحابة يحصل من بعضهم ما يستوجب التحفظ عليه، وقد فعل الصحابة أنفسهم ذلك في حق بعضهم بعضاً إلى حد الاحتراب والاقتتال.
ومن ثم فأن يكون بعض المسلمين، أعني الشيعة، (يتحفظون) على بعض الصحابة ليس مسوغاً لأن (ينبزوا) بما يؤدي إلى سفك دمائهم والتشهير بهم.
وقال: هذا مجمل موقف الشيعة حول الصحابة، وإنما يلتزمون بأن القرآن، وهو الحق والقانون والشريعة، أقدس من أن يقدم رأي غيره عليه، وإن كان صحابياًّ.
وما حصل في التاريخ ومنه ما حصل في فترة الصحابة، فهو خاضع للقانون.
أجل، يختلف الشيعة عن السنة في المرجعية التي يجب الالتزام بها في تفسير الإسلام، فالسنة في العموم يجدون في واقع بعض الصحابة مرجعاً يجب الالتزام به في تفسير الإسلام، بينما الشيعة يجدون المرجعية في الكتاب والسنة الصحيحة الذين لم يعمل بهما ذاك البعض.
وأضاف: «هذا ما يراد فرضه من قبل أمثال الشيخ ابن جبرين على جميع المسلمين، فيما يصر الشيعة على أن المرجع هو قول الله ورسوله الذي ينص على أن لأهل البيت خصوصية عند الاختلاف ﴿ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ﴾، الذين ثبت عن الرسول الوصية بهم ثقلاً إلى جانب ثقل القرآن (إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي). وللتفصيل والإسهاب مجال واسع لعل المقام لا يسمح به».
وعن مسألة تحريف القرآن قال الشيخ حسن النمر: أقدم أولاً أن المسلمين اليوم، سنة وشيعة، مجمعون على أن القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسوله محمد لهداية الناس، والذي لا كتاب بعده، هو المصحف المنتشر بين المسلمين اليوم لم يزد حرفاً ولم ينقص حرفاً.
نعم، ثمة أقوال عند السنة والشيعة معاً، يشم منها وقوع نقص في القرآن الكريم، أوّلها السنة بنسخ التلاوة ونحوه، وأوّلها الشيعة بتلاعب الظالمين بمعاني القرآن.
وأعتقد أن هذا المقدار كافٍ لحفظ منزلة القرآن بين المسلمين من جهة، وسد الباب أمام تصفية الحسابات من جهة أخرى. لأن تكرار هذه المسألة يتيح لأعداء القرآن فرصة الطعن والتشكيك في نصه المبارك وآياته المحكمة، وإن ظن بعض السفهاء أن فائدة ذلك هو الطعن في الشيعة وإبعادهم من الدائرة الإسلامية. وهذه كتب علماء الشيعة تطفح بصيانة القرآن عن التحريف.
وثانياً فإن الشيعة يرون في القرآن الكريم المرجع الأول في التعرف على الإسلام الحق، لأنه ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾.
ويضيف حسن النمر حول مسألة التقريب بين المسلمين: في هذه المسألة نصل إلى ما يشكل عصب الحياة الذي لا غني عنه. فإن من مبادئ الإسلام المتفق عليها (الوحدة بين المسلمين وإخوتهم)، وقد امتنّ الله سبحانه على المسلمين أن ألف بينهم من لطفه وعنايته وليست جهد إنسان ﴿ لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم ﴾.
ومن ثم فلا يجوز تفريق المؤمنين وتمزيق صفوفهم، وكما قال علي بن أبي طالب: لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين).
ويستطرد: دأب المخلصون من الشيعة والسنة على التأكيد على الوحدة والتقريب وأهميته فشكلت المجامع والمؤسسات، لتحقيق هذا الهدف السامي، وكان الأزهر الشريف، عبر الإمام محمود شلتوت رحمه الله، من المبادرين في تلبية نداء الإمام البروجردي فتأسست دار التقريب التي لا يزال مقرها في مصر شاهدا على ذاك الجهد المبارك. وإن كنا بحاجة أمس إلى ذاك فإننا اليوم أحوج.
ونبه الشيخ حسن النمر إلى أن «المنادين بالوحدة والتقريب لا يريدون بهما أن يتحول السني إلى شيعي ومن الشيعي أن يكون سنياًّ، بل إن المراد بذلك ليس أكثر من التركيز في المرحلة الأولى على المشتركات التي سنكتشف بعد التواصل أنها أضعاف أضعاف ما نختلف فيه».
وقال: لا يعقل أن يتمكن غير المسلمين على اختلاف أديانهم أن يتحركوا بسرعة قصوى نحو الوحدة بتشكيل الاتحادات والمؤسسات ذات الطابع العالمي، فيما يصر بعض المسلمين على أن يفرضوا على جميع المسلمين الدوران حول نقطة واحدة عبر احتكار الأصالة الإسلامية، ونبز من خالفهم بالابتداع والمروق من الملة، ﴿ والعاقبة للمتقين ﴾، ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾.
وليس الحل هو محو كل ما من شأنه إثارة الخلاف، لأن هذا تاريخ لا يمكن تغييره، ولا يصح التلاعب به، ولكن من الخطأ التعامل معه كما لو كان الحقيقة المطلقة. وقال في نهاية رده «ختاماً فإن الشيعة لا يحتاجون إلى تزكية من أحد للشهادة بأنهم مسلمون، كما أن السنة مسلمون بغير شك، والاختلاف لا يفسد للود قضية ».
أما الشيخ جعفر النمر فيقول في رده: «كان للفتوى الصادرة من بعض علماء التيار السلفي فيما يتعلق بدعم حزب الله والدعاء له بالنصر، والمتضمنة لحرمة ذلك على المسلمين اثر لا يقل في تأثيره على مشاعر الرأي العام الاسلامي عن القصف الاسرائيلي الوحشي وذلك لمصادمة مثل هذه الفتوى للثوابت الوجدانية التي تحكم سلوك عامة المسلمين».
وأضاف: لقد استندت هذه الفتوى إلى حيثيات ادعي كونها تتعلق باصول الدين التي لا يمكن المداهنة فيها من قبيل انتماء المقاومة مذهبيا الى المذهب الشيعي المحكوم بكفر أتباعه عند أصحاب هذا المسلك.
وقد وقعت هذه الفتوى محل استهجان عامة المسلمين لاسيما مع وقوع المجازر الاسرائيلية يوميا على مرأى الجميع وسمعهم مما أثار حفيظة المسلمين كافة، بحيث استدعى ذلك مراجعة اصحاب هذا المسلك لمواقفهم وإعادة صياغتها بحيث لاتصادم مشاعر المسلمين، وقد جاءت هذه المحاولات باهتة لا لون لها ولاطعم لأن التغيير كان سطحيا على مستوى العبارة ولم يكن جوهريا، بل كان بعضها اشبه بالزيت المسكوب على النار لكونه مكرسا لمقولة التقسيم الذي كان هو سبب الاستهجان.
وواصل جعفر النمر: جاء في بيان التعقيب الصادر عن الشيخ بن جبرين ان الشيعة يكفرون الصحابة ويطعنون في القرآن ويشركون بدعاء الائمة من اهل البيت عليهم السلام، بل انه يدعو على الرافضة كما يدعو على اليهود والنصارى.
وجاء على لسان بعضهم في معرض تبريره لدعم الشعب اللبناني انه لا يجوز السكوت والغنيمة تنتهب وتقسم مما جعل هذه المواقف منفصلة عن الاخوة الايمانية مدخلا اياها في سياق المصالح والمكاسب.
ويمضى الشيخ جعفر النمر قائلا: «اننا في مقام التعقيب على هذا وشبهه نرى ان مثل تلك المواقف لا سيما في مثل هذه الايام هي التي ادت الى تشرذم الامة وتمزقها مع انها مخالفة لضوابط الاستنباط والفتوى ويمكن ان يلاحظ على مثل هذه المواقف التالي:
1. ان تكفير من تلفظ بالشهادتين واستقبل القبلة غير جائز لقوله صلى الله عليه واله (من كفر مسلما فقد كفر) ولقوله في حديث أنس الذي رواه البخاري في صحيحه (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته) ومن الواضح أن جميع المسلمين يشهدون الشهادتين وهذا هو الاساس التشريعي الذي ينبغي ان يؤطر العلاقة بين المسلمين وما عدا ذلك فلا ينبغي أن يكون سببا للفرقة.
2. ان هذه الفتاوى تفتقر الى الموازين الموضوعية الحاكمة على عملية الاستنباط وتعتمد على احكام معدة سلفا، ومثال ذلك قول البعض ان هذا الخلاف عقدي لايجوز الاستهانة به، وهذا بحد ذاته محل خلاف بين المسلمين، فان الخلاف في الاصول لم يزل موجودا بين المسلمين كالخلاف بين الاشاعرة والمعتزلة والجهمية والكرامية والشيعة بفرقهم المختلفة وغيرهم من المسلمين، وهذا يعني ان فتح باب التكفير على اساس الخلاف العقدي لن يؤدي الا الى تمزيق الامة، وذلك لان كل فرقة سوف تطبق الميزان ذاته مع ان المفروض وقوع الخلاف خارج الاطار المعتبر في الدخول في الدين والخروج منه.
3. ان الواجب على المسلمين لاسيما اهل العلم العمل على التقريب والاصلاح بين المؤمنين لا طرح ما يثير الخلاف والشقاق.
4. ان كثيرا من هذه الاحكام تذكرنا بأيام محاكم التفتيش في اوروبا في العصور الوسطى حيث تصدت فرقة خاصة من النصارى بتطبيق الدين على مقياس آرائها الخاصة وفق نزعة تسلطية شديدة. ومن الطريف ان تعصب الكنيسة الكاثوليكية لآرائها أدى بها إلى الاعتقاد بمعصومية البابا مما أدى الى نفور طائفة كبيرة من النصارى واعتبرت فيما بعد مارقة عن الدين.
5. ان هذه الفتاوى تأتي في اطار الوصاية التي يحلو للبعض ان يمارسها على سائر المسلمين من دون ان يكون لديه تفويض شرعي بذلك.
6. ان هذه المواقف وان تباينت في تشددها الا انها جميعا تشترك في شيء واحد وهو تثبيت الخلاف في دائرة العقائد مما يعني الاحتفاظ بهذه النقطة كبؤرة توتر تنبعث منها دائما الخلافات التي تمزق جسم الامة.
7. اننا نرى في مثل هذه الفتاوى افلاسا حادا لكل التيارات التكفيرية التي كانت تراهن على نزعة التفرد بالقرار مما يستدعي مراجعة المنهج المتبع في تشريع العلاقة مع الآخر.
8. كثير من هذه الفتاوى ينفصل عن الواقع لتجاهله لواقع المصير الواحد الذي تنصهر في مجراه جميع الخصوصيات والمشخصات لتشكل جميعا مجتمعا واحدا، مما يجعل تأثير هذه الفتاوى يتجاوز الدائرة الخاصة ليقع في الدائرة الكبرى للمجتمع بشتى مكوناته، مما يعني ان هذه الفتاوى هي اشبه بالقنابل الموقوتة.
وأخيرا يقول الشيخ جعفر النمر: اننا نعتقد ان لكل مذهب خصوصيته المذهبية التي لا ينبغي المراهنة على التنازل عنها، مما يفرض علينا جميعا التعامل مع البحث العقائدي بشكل اكثر تعقلا يتجاوز بنا حالة التنافر، لبناء حالة من الاصطفاف تضمن للمسلمين الحياة الكريمة والعزة التي تتناسب مع عددهم وعدتهم، ونفوت بها الخطة التي يعتمدها العدو للاستيلاء على مقدرات المسلمين واحتلال اوطانهم.
وهذا يتطلب اعتماد اليات علمية تمكننا من البحث في المسائل العلمية الشائكة من دون ان يكون لذلك تاثير على نمط التعايش الذي يمكننا من تحقيق الحد الادنى من الاهداف المشروعة للجميع».
ويرى الشيخ النمر أنه «من الواجب على المسلمين الفصل بين مستويين:
• المستوى العقدي.
• المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
مستطردا: فان ذلك ضرورة تستدعيها الظروف التي تمر بها الامة والتي توجب على المسلمين كافة رصّ الصفوف وتلمس جهات الوفاق ونبذ جهات الخلاف واعتماد الاسلام بمعناه الشامل اساسا للعلاقة التي تنظم شتات الامة».
وتحدث احد رموز الشيعة الكبار في السعودية الشيخ حسن الصفار قائلا ردا على سؤال لـ(لعربية.نت): إنه لأمر مؤسف جدا أن تثار مثل هذه السجالات وان تنكى جراح الخلافات المذهبية في الوقت الذي يتعرض فيه الشعبان الفلسطيني واللبناني لمسلسل عدوان وحشي، حيث يطال القصف الأبرياء والآمنين من النساء والأطفال والشيوخ، وترينا القنوات الفضائية أبشع الجرائم والمشاهد التي تحدث لأبناء أمتنا في فلسطين ولبنان.
وفي الوقت الذي يسطر فيه المقاومون في لبنان أروع ملاحم البطولة ضد المعتدين الصهاينة، ويستمر فيه صمود الشعب الفلسطيني رغم الدمار والحصار واعتقال أكثر قياداته السياسية التشريعية والتنفيذية.
وأضاف الصفار: ان مظاهرات كثيرة تنطلق في عواصم العالم، تطالب بوقف العدوان على الشعب اللبناني، فهل يسوغ لنا نحن العرب المسلمين أن ننشغل بالخلافات المذهبية؟. إن الصهاينة أعداء المسلمين وأعداء العرب وأعداء كل شعوب هذه المنطقة، فيجب أن تكون المعركة معهم فرصة لتوحدنا وتوحيدنا، لا أن ننشغل بهذه الخلافات الجانبية، خاصة أن حزب الله في لبنان من أبعد الجهات عن اشكاليات الخلافات المذهبية كما هو واضح من مواقفه وخطابه السياسي والاعلامي. لذلك لا أرى الدخول في هذا السجال أمرا مناسبا أبدا فهو يبصق علينا سائر الأمم ويشمت بنا الأعداء.
وحول ظهور خلافات قديمة بين السنة والشيعة إلى دائرة العلن في ذلك الوقت وعلو أصوات التكفير، قال المفكر الاسلامي اللبناني الشيعي السيد هاني فحص ردا على (العربية.نت): أولا أنا أبدي أسفي لأن السياسي العربي المسلم والشيعي أرقى في تعامله في هذه المسائل من كثير من الأمزجة الفقهية، ولا أدري لصالح من هذا الجدل. أنا هنا لا أصب لومي وعتبي واستنكاري على طرف دون طرف. أنا في تقديري من يحرك هذا الساكن ومن يستجيب للتحريك فيه مخطئان.
وأكثر من هذا.. كفانا هذه الدماء التي تسيل في كل مكان باسم الدين. هذا سوف يأكل الدين الذي نحاول أن نحميه بالاختزال والغاء الآخرتحت ستار للفتوى وأحادية المعرفة والزاميتها وامتلاك الحقيقة المطلقة.
وقال إن علمنا وابداعنا التاريخي اعتمد على النسبية المعرفية وليس على الاطلاق، فلو كنا من اهل الاطلاق في كل شئ لما أصبح عندنا هذا التراث العظيم.
وأضاف مستطردا حول هذه الخلافات: أنا رجل دين، ذهبت الى الحوزة الدينية وما سمعت هذا الكلام ولا قرأته. ثم ان عندنا فقه علائقي عملي، يكيف علاقات المسلمين. التسنن في الفقه الشيعي يترتب عليه أحكام لا أحد ينكرها ولا أحد يلعب بها، واكثر من ذلك في الفقه الشيعي أن الحنفي مثلا أو الحنبلي اذا تشيع ماذا يفعل بعباداته، يعيدها أو لا يعيدها؟.. حسب المذهب الشيعي وهذا موضع اتفاق، اذا كانت عباداته مطابقة للمذهب الحنفي فلا يعيدها واذا كانت مخالفة فعليه اعادتها.
وقال السيد فحص: على هذا النظام الفقهي والمشترك الفقهي والعقدي نشأت علاقات اجتماعية وحركات مصاهرة، إن الفقه الاسلامي الذي يبيح للمسلم أن يتزوج من كتابية مع بقائها على دينها، هو فقه علائقي يتجاوز الحدة في التعامل.
نعم هناك مسألة موجودة في الفقه الشيعي وأظن أن لها معادلها في الفقه السني. فقد رأيت في فقه المذاهب السنية، موضع اتفاق على الحكم بنجاسة من يكره أهل البيت، وهذا الحكم لا يتنصل منه الفقهاء السنة، ويشكل موقع أهل البيت في المنظومة الفكرية السنية.
وفي نفس الوقت عند الشيعة أن من ينصب العداء لأهل البيت هو أيضا محكوم بنجاسته وكفره. أنا هنا أريد أن اتساءل عن النصب لأهل البيت، هل لا زال موجودا. لا.. الناس تعارفت وتآلفت. واهل البيت وهم هذه المساحة الخضراء المشتركة في تاريخنا تحررت وأصبحت ملتقى للجميع.
وقال: أنا اعرف أن كتابا حول أهل البيت صدر في المملكة العربية السعودية وطبع ثلاث مرات في أربعة أشهر. وفي تقديري أن العقل الحزبي هو الذي يحول المذهب إلى حزب.
وطالب السيد هاني فحص من فقهائنا وعلمائنا ومثقفينا «أن يكفوا عن هذا التصنيف – سني وشيعي – فنحن مذهب من مذاهب الاسلام. نحن المذهب الشيعي الجعفري الاثنا عشري في مقابل الحنفي أو الحنبلي أو الشافعي أو المالكي.. الخ. نحن واحد من مجموع وليست القسمة نمطية خيطية».
وأضاف أن الخلاف بين المنظومة الفكرية والعقائدية للفقه ليس خلافا سنيا شيعيا، ولو تعمقنا في البحث لوجدنا أن مساحات الخلاف ضيقة جدا، فالصراعات السياسة التاريخية هي التي عزلت وانعزلت وانتجت فقها خلافيا. لا بد من العودة إلى الفقه المقارن، فقه المذاهب بدلا من فقه المذهب، وهذا ما يقتضيه العصر من خلال العلوم الحديثة وقدرتها على المشاركة في معدات الاستنباط الفقهي والتي تفتح الذهن على الآخر وتحاول أن تتعرف إلى موقعه في الذات وتكتشف فيه شرقية معرفية وشرقية وجودية.
وتساءل السيد هاني فحص: متى ظهر الخلاف السني الشيعي؟.. لقد كانت المسألة سلطة ومعارضة. في عصر المأمون ظهر مصطلح «سني» ثم تراجع، وفي القرن الأول ظهر المصطلح الشيعي بالمعنى المذهبي، ولكننا كشيعة وسنة يجب أن نعيد قراءة أهل البيت لنتمثل بهم ونقرأ اولوياتهم.
وردا على سؤال بشأن ما يتردد بأن التراث الشيعي يشتمل على سب الصحابة والقول بأن القرآن تعرض للتحريف يجيب: أنا استاذي السيد أبو القاسم الخوئي ودرست كتابه (البيان في تفسير القرآن) حوالي عشر مرات.. درسته في الكلية ثم فيما بعد في حلقات. هذا الكتاب مرجعنا. وإذا كان هناك رأي شاذ وأنا والله حتى الآن لم أعثر على هذا الرأي الشاذ.. بل سمعته من بعضهم، فانها شطحات موجودة في كل المذاهب، فلماذا التركيز عليها ونبشها.
بعض الأمور نسلم بوجودها وهي نتاج فترات العصبية السياسية في الصراع الصفوي العثماني أو مضايقات العصر السلجوقي في الفترة التي عزل فيها بعض الناس فانعزلوا وابتدأوا بناء على الطلب السياسي يبرزون الفوارق بدل أن يكشفوا ويحرضوا المشتركات.
وقال: عندي تعبير شعبي بأن في كل بيت يوجد حمام، فلنهدأ ونحمي المصالح والأفكار والقيم المشتركة حتى تدفعنا إلى التعاون، ثم يتكفل كل منا بتنظيف بيته وإلا فاننا بهذه العصبيات سنستعيد فصولا وذكريات جارحة. إن الماضي الخلافي جثة إذا لم ندفنها فستبقى رائحتها. النسيان هو التاريخ فلنتصالح مع أنفسنا وفيما بيننا.
وأضاف: على مستوى الفقه الشيعي والفقهاء والعلماء الشيعة القول بتحريف القرآن شاذ إلى حد بعيد. أما سب الصحابة فيمكن أنه أقل شذوذا ولكن له تاريخا مربوطا بالعصر الصفوي، وبانتاج الذريعة السياسية. وليس خافيا على أحد أن ايران قبل العهد الصفوي كانت أغلبيتها سنية، كما أن الصفويين أنفسهم كانوا سنة. ومن أجل تعصيب الناس أخذوا يفرزون هذا الفوارق الأيديولوجية وأوصلوها إلى هذا الحد، ولكنها ليست سلوكا شعبيا. والآن في الوسط والسلوك الشعبي وبسبب الحالة السياسية تثار هذه المسائل من جديد.
وأضاف أن من يتجرأ على سب الصحابة لا يستند إلى نص، إنما يستند إلى سلوك وتحريض سياسي، وأحيانا في حالات الصراع تتراجع الثقافة الشعبية فتمس مقدساتها الذاتية.
الفتوى لم تعد شأنا فرديا أو مزاجيا، الفتوى الآن تمر بتعقيدات تجعلنا بحاجة إلى مؤسسة فتوية. وإلى تعدد رؤية ينتج رأيا واحدا وليس رأيا واحدا ينتج رؤية واسعة.
ويرى السيد هاني فحص أن مسألة التقريب بين المسلمين هي انتاج العلماء والمجتمع، فالأخير يكتشف مصالحه وقيمه المشتركة والعلماء يواكبونه فيؤصلون له هذا الاكتشاف، والدولة تحمي ذلك. الدولة يمكنها أن تصنع التقريب ولكنه يزول بزوالها، وفي رأيي أن الأحزاب الاسلامية لا يمكن أن تكون تقريبية حتى لو كان صوتها الوحدوي عاليا لأن الأحزاب تقوم على التعصيب الذي يعني الغاء الآخر ولا يتم الا باستدعاء الماضي.
لقد فشلنا في التقريب لأن الشراكة لم تحصل. وتجربة دار التقريب في مصر سبب نجاحها ان العلماء هم الذين صنعوها مقدرين انها ستكون مقبولة شعبيا والدولة حمتها نسبيا. ثم كف العلماء عن ذلك وتخلت الدولة فتركت المسألة للمجتمعات لتنتج مضاداتها الحيوية التي يمكن أن تصل إلى حد أن تتراجع فعاليتها. نحن كأهل تقليد وحوار فشلنا لا لأننا غير محقين ولكن لأن التعقيدات كانت أكبر من أحلامنا وتوقعاتنا. وفي تقديري ان كوننا معتدلين هو ضمانة للمستقبل لأن الاعتدال كله لهذا المستقبل وهو الحق والحقيقة ومتحرك وليس جامدا.
وطالب فحص بان «ينظم تيار الاعتدال نفسه، لا تنظيما حزبيا ولكن يجب أن يتحول إلى مؤسسة تنظم عملها حتى لا يضيع لأن التطرف أصبح منظما أيضا. لا ادعو إلى منافسة التطرف، بل الى تمكين الاعتدال والثقة بأنه المستقبل ولو كان صعبا».